الحزب القومي السوري وطبيعة النزاع الدائر في سوريا
تنويه: أتوجه بالشكر الى الأستاذ (جاك بابا) لدوره المحفّز في انجاز الموضوع التالي:
من المفيد ان يستعيد المرء ما ذكره الراحل (مهدي عامل) حول نمط التفكير او المنطق الخاص بموضوع الطوائف اذ قال ” لا يتم نقض الطائفي بالطائفي، لا في الفكر ولا في السياسة، بل به يتعزّز حتى لو كان نقداً. لا تناقض بين الطائفي والطائفي
حتى لو بدا بينهما تناقض، حيث لا تناقض بين أطراف متماثلة، لا اختلاف بينهما بل ائتلاف يضعها جميعاً في طرف واحد.”
يصف بعض المحللين طبيعة الحرب الجارية في سوريا بانها (طائفية) مستندين في ذلك الى افتراضات مغلوطة ناجمة عن عدم فهم طبيعة الهوية السياسية للبلاد، كما انهم ينطلقون من مقدمات تتبنى هي نفسها رؤية طائفية وتفترض تقسيم الشعب السوري الغير متجانس الى مجموعات مسيسة من الطوائف والقوميات. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: ما هو مدى طائفية الحرب والثورة في الواقع الفعلي للصراع؟ ام ان هذا الصراع هو في جوهره (شبه طائفي) لأن قضايا النزاع المتعددة والمتشعبة ترتبط أيضاً ارتباطاً أساسيا بالطبقات الاجتماعية، والأيديولوجية وغيرها من المكونات المتعلقة ببنية الدولة، والتي نشأت عبر التطور التاريخي لتلك الهويات السياسية ، في هذا العرض لا بد من التأكيد على حالة الاعتدال السائدة داخل المجتمع السوري والتي كانت من سماته المميزة، وكيف تطورت الهويات الطائفية داخل الكيان الوطني بطريقة متشابكة ومعقدة في المرحلة المعاصرة بحيث تبين ان حالة العنف الأخيرة والدائرة بين الكيانات الطائفية هي نتيجة بروز عوامل في البنية الاقتصادية والاجتماعية وتأثير ذلك على التحولات السياسية ، ويقودنا هذا الى استنتاج ان الصراع الدائر في سوريا ليس ناجماً عن عداوات قديمة غير قابلة للتغيير. من المهم اليوم معرفة التغيرات البنيوية في الدولة والمجتمع وكيف تعاملت النخب السياسية معها.
وبحسب تلك النظرة الطائفية فان 12 ٪ من السكان ممن ينتمون الى الطائفة العلوية يدعمون نظام الرئيس العلوي بشار الأسد الذي ورث السلطة عن والده واستكمل بعد ذلك توفير الامتيازات لطائفته. اما العرب السنة فيشكلون 64 ٪ من مجموع السكان وأغلبهم يؤيدون المعارضة وقد جرى تهميشهم من قبل كلا الأسدين، (حافظ وبشار). اما الجماعات الدينية الأخرى العربية والغير سنّية فيشكل المسيحيون 9 ٪، والدروز 3 ٪، والشيعة 1٪، وجماعات أخرى 1 ٪ ومعظمهم يؤيدون النظام. أما الأكراد الذين يشكلون 10 ٪ من السكان رغم ان أغلبهم من الإسلام السنة فهم يعرّفون أنفسهم انطلاقاً من هويتهم القومية، ويطغي على هذه المكونات فهم بدائي للهوية السياسية، اذ تعتبر سوريا دولة مصطنعة تم تأسيسها من قبل فرنسا وبريطانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى وفقاً لاتفاقية سايكس-بيكو.
لقد أنعشت الحرب العراقية عام 2003 الأحقاد القديمة بين السنة والشيعة، ويعكس العنف الحالي بين السنة والعلويين في سوريا أحد أوجه هذا النزاع، ويشدّد أنصار هذا الاستنتاج والمدافعون عنه مطالبتهم بان اي حل لا بد له ان يتضمن وجود مثل تلك الروابط والعلاقات القديمة المبنية على النماذج الأثنية والتي استطاعت انهاء حروب أخرى حصلت فيها النزاعات الطائفية والاثنية كما جرى في يوغسلافيا وبوسنيا ولبنان والعراق. ان التفسير الطائفي المتعلق بالوضع السوري مبني على افتراضات زائفة ولا ينطبق على الهوية السياسية في سوريا وهو تفسير يدفع بالمجتمع للسير نحو الخلف اذ ان وجود مثل هذه الكيانات او الهويات الثانوية أو الفرعية في بنية الدولة وما ينجم عنها من اصطفافات سياسية ان دلّ على شيء فهو يدل على قضية مفصلية في تاريخ التطور الاجتماعي والسياسي، انه يبين مدى التدمير الذي لحق بعملية بناء الدول الوطنية الديمقراطية بعد مرحلة الاستقلال السياسي من قبل حركات تتبنى أيديولوجيات قومية لها مشاريع توسعية وهمية جعلها ترفض الاعتراف بالدول الوضعية القائمة بحيث يبني المشروع القومي انجاز كيانه المستقبلي والمتخيل على نفي الدولة الوطنية ذات السيادة، انه مشروع يحقق هدفه التوسعي القومي بإلغاء كيان الدولة الوطني او نفيه لصالح مخطط أيديولوجي يتجاوز الحدود الرسمية للدول القائمة ، فوجود الدولة يتناقض تماما مع شمولية المشروع القومي والأيديولوجية التي بنى نفسه عليها. ان المشروع القومي الذي يتجاوز الحدود والأطر الرسمية لا يعترف بالدولة بل ينفيها ككيان وطني قائم في نفس الوقت الذي يخفي هدفه الحقيقي وهو قطع الطريق (والحركات السياسية التي كانت تمارس هذا التوجه كانوا فعلاً يسلكون سلوك قطاع الطرق) امام بناء المؤسسات الدستورية للدولة تحت عناوين شعبية براقة تدعو لإقامة كيان يتجاوز اطارها الحدود الراهنة للدول الموجودة، مثل كيان (سوريا الكبرى) و(الهلال الخصيب) و( من المحيط الى الخليج) و (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، ويعتبر انجاز تلك الكيانات بمثابة الانتصار التاريخي (الوهمي والمتخيل طبعاً) للمشروع القومي الخاص بكل حركة منها.
بعد قيام الاتحاد السوفييتي من جهة، وما قابله من استلام القوى الفاشية والنازية للسلطة في كل من إيطاليا وألمانيا من جهة ثانية، ظهرت حركات فاشية مهمتها الوحيدة محاربة أي توجه ديمقراطي في دول المنطقة العربية ومصادرة حقوق شعوبها في التطور السلمي الحر كما جرى في سوريا والعراق اذ تحولت الدولة الى أداة قمع واستبداد لإنهاء الحياة الدستورية الديمقراطية في المجتمع. اصبحت الأيديولوجيا القومية في تلك الفترة (وما زالت) الى جانب شقيقاتها من الأيديولوجيات الدينية ، سواء كانت سنية سلفية تعشعش تحت راية الخلافة السلفية السنية أم تحت راية ولاية الفقيه الشيعية فكلاهما يلاحقان هدفهما السياسي الوحيد المتعلق بالانفراد بالسلطة الدنيوية، وهذا الهدف (السامي) يجعل كل أصحاب العمامات يتشابهون سواء كانت العمامة تنتمي الى الخليفة (أبو بكر البغدادي) أو الى الفقيه الشيخ (حسن نصرالله) فهي تتشابه من حيث الجوهر ويضاف اليها في سياق هذا التشابه ربطة عنق العلماني المزيف من طراز المنتمين الى الحزب (القومي السوري) أو (الشبيح )المعاصر، فهؤلاء يتماثلون وان قاتلوا بعضهم البعض للاستئثار بالسلطة التي تشكل في المحصلة الأخيرة نعيم الدنيا والآخرة والغاية التي يتشاركون في الالتقاء عندها، فمهما تناحروا فيما بينهم أكانوا من أصحاب الأصول الدينية ام الأصول العلمانية (هتلر و أنطون سعادة يدعيان العلمانية أيضاً) فهم متفقون جميعاً في كونهم أعداء شرسون لمبدأ الديمقراطية من الناحيتين الأيديولوجية والسياسية، وعدو الديمقراطية هو في نفس الوقت عدو للشعب ايضاً، وحين يخوض حرباً ضد الشعب فهو يفعل ذلك من أجل القضاء على الجانب الملازم له وهو الديمقراطية، فيجتمع الجناة وهم يتراقصون حول نعش الديمقراطية الذي يشبه في هذه الحالة “سرير” (بروكروست) كما جاء ذكره في الاسطورة اليونانية التي تدور أحداثها حول قاطع طريق وضع سريره الحديدي على الطريق المؤدي الى مدينة (أثينا) حيث كان يطالب كل شخص يسير في ذلك المكان بان يستلقي على سريره، ويقوم (بروكروست) بعدها بشدّ جسمه لإطالة قامته او يقوم بقطع ساقيه لتقصيره حتى يصبح طول قامته بنفس طول السرير الذي تحول بفضل قاطع الطريق (بروكروست) الى مقياس نموذجي ووحيد لتوفير العدالة لجميع الناس وجعلهم يتساوون ويتطابقون ويتشابهون ، شاءوا ذلك ام أبوا، بفضل المعيار المثالي الذي يملكه (بروكروست) أو الأداة التي تتطلب في نهاية المطاف ارغام كل جوانب واوجه الحياة السياسية والاجتماعية ان تخضع لوجهة النظر الوحيدة الجانب للمستبد او الطاغية وهذا هو المبدأ الذي يعبر عن جوهر الايديولوجية الاصولية الدينية والأيديولوجية العصبية القومية اذ ان كلاهما (الديني الأصولي والمتعصب القومي ) يسعيان سياسياً الى إقامة كيان يخضع فيه المجتمع المقهور عن طريق الاستبداد والعنف الى حالة نمطية تريد ان تلغي قسراً كل ما يخالف او يختلف عن ثوابتهما العقائدية والأبدية، ان العصبية الدينية أو القومية تجاهد لإلغاء كل ما هو مغايرأو مختلف عنها لأنه يشكل خطراً وجوديا على هويتها الخاصة المعادية للديمقراطية وللتنوع في دولة المؤسسات الدستورية، فلا فرق بين الأصولي الديني أو القومي، وان اختلفا من حيث المقدمات العقائدية التي ينطلقان منها ولكنهما يتطابقان في الجوهر حين يتعلق الأمر بإلغاء الديمقراطية عن طريق العنف (الرشيد!) . ان مثل تلك الحركات السياسية التي تطلق شعارات ذات أهداف توسعية وتتستر بتوجهات شعبية، كالحركة الناصرية التي حظرت نشاط كل الأحزاب السياسية في مصر أولاً ثم في سورية لاحقاً بعد قيام الوحدة بين البلدين حيث استأثر الحزب الحاكم في مصر بالسلطة وفرض نمطه الخاص من سرير (بروكروست) لينهي به الحياة السياسية في سوريا ويخضعها لنفس الأجهزة القمعية طوال فترة الوحدة المصرية السورية (1961-1958 ) وشملت تلك الرعاية الأخوية العربية التي كانت تقودها مصر دولة (اليمن) الذي توقف بعدها عن كونه سعيداً ، ان الآثار البعيدة لفرض الهيمنة السياسية تحت شعارات (الأمة السورية) او (القومية العربية) هو القضاء على مبدأ ديمقراطية الدولة والغائها من تاريخ وذاكرة المنطقة عن طريق العنف وتحويلها الى سجن يتسع لشعوبها المقهورة فتتسارع السلالات الحاكمة القومية ( التي لا تختلف عن تلك التي تحدث عنها ابن خلدون ) لانجاب سلسة نماذج معاصرة من الطغاة تستنسخ نفسها كحافظ الأسد وابنه ووريثه بشار، والعقيد (القذافي) ذلك البدوي النرجسي المريض الذي كان يزهو في كل مرّة يقوم فيها بنصب خيمته في ساحات المدن الأوروبية اعلاناً منه عن انتصار المواهب البدوية والقدرة الفذة لتلك المواهب على تشويه جمال الساحات المذكورة تعبيراً عن هيام الفارس العربي المبتذل بميراثه الحضاري. ويبقى الحزب القومي السوري الذي اسسه (أنطون سعادة) عام 1932 في أول قائمة تلك الحركات السياسية ذات التوجه الأيديولوجي القومي مقتفياً في الشكل والمضمون خطوات النازية الألمانية الصاعدة في أوروبا مستعيراً ومستلهماً الكثير من رموزها وحركاتها الصورية وإعادة انتاج تلك الصور والرموز والشعارات المتكررة البليدة التي تريد ان توحي بالصرامة النازية الفولاذية، في تشرين الثاني من ذلك العام وضع (سعادة) هيئة سرية من خمسة أفراد التزمت بقسم الولاء له وسماه ب(الحزب القومي السوري) وأرفق ايديولوجيته القومية بأشكال مختلفة من الغيبيات فكتب عن “الإرادة العامة للأمة السورية” الباحثة عن الحرية والواجب والنظام والقوة، كما بشر ” بالارتباط العضوي بين الأمة وحدودها الجغرافية وبالوحدة العضوية للمجتمع السوري نتيجة “التاريخ الطويل لكل الناس الذين استقروا في هذه الأرض … وانصهروا في شعب واحد، ولقد بدأت هذه العملية بشعوب العصر الحجري واستمرت مع الأكاديين والكنعانيين والكلدانيين والآشوريين والآراميين والعموريين والحيثيين” وشرح رؤيته بالتفصيل في كتابه (نشوء الأمم) فيتحدث عما سماه فكرة الإرادة الجماعية للأمة مستبعداً اللغة والعرق والدين كعناصر في تكوين القومية، مؤكداً ان “الأرض هي الأمة” ومستشهداً بكتابات غامضة في علم الاجتماع وكان يدعي معرفته بحقائق يجهلها الآخرون جعلته يقف موقفا متصلباً وعنيفاً اتجاه معارضيه كتب يقول في ( مبادئ الحزب القومي السوري ) ” ان الذين ينكرون بأن سورية للسوريين وأن السوريين أمة تامة بحد ذاتها، هم مذنبون بجريمة تجريد السوريين من حقهم في السيادة على وطنهم ويعلن الحزب …. ان هؤلاء هم مجرمون” ولقد تبنى الحزب مبدأ العنف منذ تأسيسه ولهذا قام بتنظيم نفسه على أساس تشكيل شبه عسكري يخضع لنظام صارم والمفهوم الفاشي لدور القائد ( الزعيم)، لقد اصبح التنظيم صورة محلية عن تشكيلات النازية والفاشية التي انتشرت في المانيا وإيطاليا في ثلاثينيات القرن الماضي يبشر بفضيلة التضحية والانضباط العسكري والكفاح، وفي نهاية عام 1938 غادر (سعادة) لبنان ووصل الى أمريكا الجنوبية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وزار في طريقه (إيطاليا و المانيا) واتهمه الفرنسيون بالإدلاء بحديث من راديو برلين واستلام رشوات مالية ولكن هذه التهمة بقيت بلا دليل، ثم عاد من البرازيل الى بيروت في الثالث من آذار عام 1947 وبعد المزيد من البحث في التاريخ القديم اقتنع ان كل من (قبرص و العراق) يجب ان يشملهما الوطن الافتراضي او (سوريا الطبيعية) ونتيجة لذلك قام بتعديل المبدأ الخامس للحزب والتركيز على نظرته القومية الضيقة فالمنظمات القومية المصممة على عسكرة المجتمع تصرّ كثيراً على استخدام الرموز النمطية وتوظيف الإيحاء الملهم، ولكي يتم تثبيت الصورة أو الحركة الرمزية لا بد من تكرارها باستمرار واعادة صياغتها الشكلية بجهود متواصلة لتسهيل عملية ايهام الجماهير وتلقينها الدائم الذي من شأنه ان يقود الى النجاح وفقاً للمبدأ المعروف (التكرار يعلم الحمار) فيتحول الرمز الى جوهر ويصبح هو محتوى ومضمون الحركة القومية، يصير الرمز هو النفَسْ الحقيقي الذي ينفخ رئتي الأمة. لقد وصف (ألبرت اينشتاين) الأيديولوجية القومية بأنها ” مرض الطفولة، انها داء الحصبة الذي يصيب الجنس البشري.”. من المناسب هنا الإشارة الى البحث المنهجي الذي قام به المفكر الاجتماعي الايرلندي (بندكت اندرسون) حول موضوع القومية في كتابه ( المجتمعات المتخيلة) والذي حاول السيد (حسام طوقان) في اطروحته الجامعية عام 2010 تطبيق استنتاجات (أندرسون) المنهجية حول نشوء الأمم والقوميات، على عملية انبجاس سوريا الكبرى داخل مخيلة ( أنطون سعادة) ومدى ملاءمتها مع استنتاجات (اندرسون) ، لست أدري كيف سيعيد القوميون السوريون توحيد جزيرة (قبرص) بالاعتماد على خيالهم المبهم ، لاسيما ان “سوريا الكبرى” لا يمكن ان تكتمل مقوماتها بدون جزيرة قبرص حسب مزاعم الزعيم الأبدي سعادة، فهي أي (سوريا الكبرى ) تعتبر احدى المكونات المقدسة والمركزية في العقيدة التي بشّر بها أنطون سعادة، وربما يمكن الملائمة بينها وبين (سوريا المفيدة) التي يبشر بها اليوم بشار الأسد، لقد استعار أنطون سعادة لقب “الزعيم” تيمناً بلقب (الزعيم) الذي كان يطلق على(هتلر) بعد ان تأثر ببريق الحزب النازي في الثلاثينيات من القرن الماضي فأخذ عنها تحيتها العسكرية، ثم حول وبخجل صبياني الصليب المعقوف الى زوبعة صارت بمثابة وسام الأمة السورية الموهومة الذي يشاهد اليوم معلقاً على صدور “اسود الزوبعة” أو الشبيحة العلمانيون الذين يقتلون الشعب السوري بمساعدة شبيحة (حزب الله) الذين لا يقلون (علمانية!) عنهم. لقد كانت النازية والفاشية من قبلهم حركات تدّعي لنفسها العلمانية ايضاً، واليوم يبدو ان هناك ولع لاهوتي من قبل اتباع الحزب القومي السوري لإطلاق تسمية “العقيدة” بدلاً من “الأيديولوجيا” على الحركة التي يدورون في فلكها لأن كلمة “العقيدة” تشير الى كون الأفكار الواردة فيها تنبع من تعبير محلّي (سوريا الكبرى) التي أخذت تصغر وتقل مساحتها على يدي (بشار)، العقيدة اذن وعلى خلاف كلمة الأيديولوجية تتوهج منبثقة من صلب الهلال الخصيب الحاضن للأمة السورية التي تقبع باسترخاء في مخيلة أنطون سعادة المولع برمزية تعيد تكرار نفس الصور والصيغ والأشكال المحنطة. ان عقيدة أنطون سعادة هي باختصار لاهوت ديني يريد ان يوحي بالعلمانية، والنازية كانت تفصل فكرة وجود الزعيم عن مجتمعه وزمنه وتمزج عبقرية الزعيم بالوعد الإلهي وتظهره على شكل نبي هبط على أمة ضائعة، وبحسب (هتلر) فان الزعيم لا يظهر نتيجة التنشئة والتربية، بل من عبقرية الهية يصفها (هتلر) بأنها تنمو من ذاتها خلال العزلة، فالزعيم هو نتاج ذاته، انه هبة الهية، وهو يتعلم من نفسه. كتب (توماس مان) الأديب الألماني الحائز على جائزة (نوبل) لعام 1929 قصته القصيرة (ماريو والساحر) في نفس تلك السنة، محذراً فيها من النازية القادمة المصممة على القيام بدور المنوم المغناطيسي والقادر على ان ينوّم كل من في القاعة عن طريق إصداره إشارات مكررة واطلاقه جملا وعبارات تهويميه، وتعرض القصة للصراع بين الشعوذة اللاعقلانية والوعي الإنساني الذي يرفض الإذعان لسيطرة الساحر، غير انه في النهاية يتعب الفتى العقلاني من عناده الشخصي ومحولاته مقاومة الساحر فيسلَمْ للسحر الذي غيب الجماعة. لقد غزت المشاريع القومية المنطقة العربية عن طريق أحزاب أيديولوجية عنصرية هدفها استلام السلطة واحتكارها الى الأبد (اذا أمكن ذلك) على غرار النازية الألمانية والفاشية الايطالية لهذا يطلق شبيحة الحزب القومي السوري على المعارضة السورية تسمية (يهود الداخل) وهي تدل على تمسك الحزب القومي السوري (المبدئي) بالمواقف العنصرية للنازية وان صراع الأمة السورية (الموهومة) مع اليهود هو (صراع وجود). ان الأيديولوجية القومية تفترض تقسيم المجتمع افقياً اي انشاء كيانات عرقية وقومية، وفي سبيل تحقيق أهدافها تتحول الايديولوجية القومية الى اداة جاهزة في خدمة الجماعة السياسية الطامحة لقيادة تلك الدولة عن طريق استلام السلطة السياسية، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي تسعى اليه الأيديولوجيا القومية. في البلدان العربية المستقلة حديثاً بعد الحرب العالمية الثانية جاءت المشاريع القومية لتغزو المنطقة عن طريق حركات سياسية تبنت ايديولوجيات قومية هدفها وهمّها الوحيد هو السيطرة السياسية على الدولة واحتكارها الى الأبد وبالتالي حرمان مجتمعات تلك الدول الحديثة من تحقيق أهدافها في بناء الدولة الوطنية لصالح أهداف متخيلة لها صفة القداسة يرافق ذلك اتهام أي نقد موجه لهذه القدسية بالخيانة وهو تعبير وموقف شاع استخدامه من قبل كل السلطات الحاكمة في المنطقة العربية وغير العربية للانقضاض على كل معارضة محتملة للنخب والسلالات الحاكمة. هكذا استخدمت الحركة السياسية في ألمانيا وبالتحالف مع الفاشية الايطالية الايديولوجيا القومية واوهام التفوق العرقي من أجل استلام السلطة ومن ثم التخطيط العسكري لابتلاع اوروبا عن طريق الحرب نجم عنه أكبر دمار عالمي راح ضحيته 73 مليون من العسكريين والمدنيين من كلا الطرفين. ثم أن الروابط الطائفية تبدو في ظاهرها متماسكة ومقبولة من قبل افراد الجماعة التي تنتمي الى تلك الطائفة أكثر من روابط تمليها مؤسسات الدولة الوطنية المبهمة والمتغيرة، كما ان النماذج السياسية القائمة على التقسيمات الاثنية والطائفية ساهمت في ايجاد حل للعنف الطائفي رغم عدم الاستقرار في لبنان وبوسنيا والعراق بعد الحرب.
من المؤكد ان الدولة ككيان سياسي لها تركيب أكثر تعقيدا من الكيان الطائفي وقبل الاندفاع والوصول الى حل طائفي يقود الى اختزال الدولة لا بد من التدقيق في عملية تكوّن الدولة السورية والهويات الطائفية فيها والتي بدورها قد تزودنا بفهم أفضل للحرب التي استعرت فيها. كما يجب ان لا تحجب المقاربة الطائفية عن أنظارنا رغم ضعفها كأداة تحليلية كل تلك الجرائم البشرية والاعتداءات الجنسية وعمليات الاختطاف والتطهير العرقي واللغة التحريضية التي تمت ممارستها على اساس طائفي.
ان نشوب العنف المفاجئ ضمن دول متعددة الطوائف والاعراق والتي كان يخيم عليها السلم في السابق قد أصبح موضوعاً للبحث الأكاديمي، وبعض الاستفهامات التي تتبادر حول هذا الموضوع: من أين جاءت كل تلك الكيانات او الهويات الفرعية حتى صارت جزءاً من مكونات الدولة، ولماذا اندفعت فجأة نحو مواجهات عنيفة مع بعضها البعض؟ لنبحث اولاً عن مدى طائفية الحرب قبل ان ننظر الى هذا العنف في سياق التحليل التاريخي والنظري، حيث سيتبين لنا ان الهوية السياسية السورية بالغة التعقيد تحكمت في تكوينها ظروف متحولة ومتشابكة وان التقسيمات السياسية المبنية على أسس طائفية وعرقية ترجع الى اسباب معاصرة نتجت عن صعود وبروز قوى اجتماعية حديثة بعد تفكك وانهيار البنى القديمة التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الأولى وليس لأسباب ترجع الى العالم القديم والتاريخ القديم، والتي حاولت بعض تلك القوى الصاعدة حديثاً نفسها كالحزب القومي السوري وحزب البعث بكل أطرافه ببذل جهودهم الحثيثة لصياغة ايديولوجية قومية تستخدمها بعض تلك القوى السياسية المذكورة لفرض واقع سياسي، فاشي الممارسة والنهج، تستند فيه السلطة السياسية الى الأجهزة القمعية وتجعل من ارهاب وترويع الشعب السياسة اليومية الوحيدة للدولة التي تلجأ اليها السلطة في فرض علاقتها مع الشعب. ان تحريك هذه المكونات وتعبئتها مؤخراً هو نتاج مركب معقد من عوامل بنيوية واقتصادية واجتماعية وسياسية، واهمها طبعاً هي التحولات البنيوية وكيفية استجابة النخب السياسية والاجتماعية لتلك التحولات، والدور الذي يلعبه احتمال سقوط الدولة في تقوية وتشديد الفوضى الطائفية.
الطابع الطائفي للنزاع في سوريا
قبل ان نتابع لا بد من توضيح المصطلحين (الحرب الأهلية) و (الطائفية)، ومتى تحولت الانتفاضة في سوريا والتي بدأت كحركة سلمية في اذار من عام 2011 الى حرب أهلية؟ إذا اخذنا التعريف المقبول السائد في (العلوم السياسية) والذي يتحدد بوصول مستوى القتلى من الجهات المتحاربة الى ألف قتيل سنوياً، فان تحول الانتفاضة السلمية الى حرب أهلية في سوريا حصل بين آب 2011 وكانون الثاني 2012، رغم ان العنف كان مستمراً قبل ذلك التاريخ وكذلك ايضاً بقيت الاحتجاجات السلمية مستمرة بعد ذلك التاريخ بوقت طويل.
لقد ساهم الرد العنيف الذي مارسه النظام ضد الانتفاضة السلمية في آذار من عام 2011 في نشوب الحرب الأهلية التي اتسمت احقاً بطابع طائفي ولا بد هنا من توضيح تعبير او مصطلح (طائفي) وتعني وجود طوائف متعددة في الدولة التي قد تتعايش متآلفة مع بعضها البعض، او تكون متنافرة ومتعارضة الى درجة ممارسة التمييز والحقد والتوتر المبنية على الاختلافات والفروقات بين تلك الطوائف اي بالمعنى السلبي لتعبير (الطائفية). التشديد على وجود طوائف متعددة في الدولة لا يقود بشكل حتمي الى الطائفية بالمعنى السلبي او الصراع الطائفي. وفي الحالة السورية سيتم التركيز على كيفية تم تحويل الكيانات او الهويات الطائفية الى ادوات سياسية لتوظيفها وتحريكها لخدمة مصالح واهداف السياسة.
لقد برزت المعارضة السلمية في آذار من عام 2011 كحركة محلية وغير مركزية ولكن ذات أهداف وطنية. فالهتافات المعبرة عنها كانت تنادي ب (الشعب) و (سوريا الوطن) ولم تتطرق الى اية طائفة او جماعة قومية رغم ان أغلب هؤلاء المحتجين كانوا من العرب السنة، وكان الرد المقابل من قبل النظام هو التأكيد على مآثره القومية، ثم قام الطرفان بإطلاق الشعارات والرموز الشمولية بما فيها راية تميز كل طرف منهما.
ومع قدوم الجماعات المسلحة وحلولها تدريجياً محل المعارضة السلمية، بحيث أ خذت تطلق على نفسها اسماء تتصف بالشمول مثل (الجيش السوري الحر) في صيف عام 2011 وكذلك الأمر قام النظام بتشكيل مؤسسات عسكرية ذات صفة شمولية مثل (قوات الدفاع الوطني). رغم الشعارات والتعابير الوطنية فقد جذب النزاع أطراف لها اهداف قومية وطائفية، اذ تحرك الأكراد السوريون بعد عقود طويلة من التمييز وانضم الشباب الأكراد الى الاحتجاجات المعارضة العربية، غير ان اتساع دائرة العنف عزز الأطراف القومية المسلحة مثل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). كما يتمسك (حزب الله) وميليشيات شيعية عراقية بإعلان اهدافهم الطائفية لتبرير مساندتهم من قبل اتباعهم داخل بلدانهم ضد الجماعات السنية المتطرفة مثل (جبهة النصرة). رغم هذا فقد تواجد داخل اوساط النظام وحتى داخل اوساط المعارضة المعتدلة تطلعات اثنية وطائفية رغم كونهم ينكرون ذلك بشكل علني، ففي مجرى السياسة السورية كان كل طرف يصف الآخر بالطائفي من أجل تشويه سمعته، فاتّهم النظام خصومه بأنهم من الاسلاميين السنّة الساعين الى اضطهاد الأقليات الطائفية والفئة العلمانية، بينما اتهمت المعارضة ان ميليشيات النظام من قطاع الطرق وجماعات الشبيحة كانت تتعمد في تأجيج الطائفية لكي يستطيع الأسد تقديم نفسه كحامٍ للتعددية.
لقد اظهر النزاع في سوريا مظاهر متعددة من الطائفية، رغم انه ليس من السهل الفصل بين الدوافع السياسية والدوافع الإثنية والطائفية التي تقف خلف الأعمال والجرائم المرتكبة، فقد وجهت أصابع الاتهام نحو النظام بأنه وراء ارتكاب الشبيحة لجريمة قتل ما بين 5 – 40 سنّياً منذ 27 نيسان عام 2011 في تلكلخ، ثم تتالت الجرائم في أغلب المدن والبلدات السورية وكان معظم الضحايا من ابناء الطائفة العلوية والمسيحية وألقت الجماعات المعارضة حينها بالمسؤولية على النظام وشبيحته في ارتكاب تلك الجرائم او اختلاقها لتبرير توجهات النظام باعتباره حاميها، وليس حراميها كما يشاع، او ان المسؤولية كانت تقع على الجهاديين الأصوليين.
كذلك جرى ارتكاب جرائم تتعلق بالعنف الجنسي على النساء بدافع الانتقام الطائفي مثلما حصل في محافظة حمص من قبل شبيحة النظام، بالإضافة الى عمليات الخطف من قبل كلا الطرفين، وكذلك اعمال نهب المنازل في نفس تلك المحافظة حيث كانت المواد المنهوبة من منازل الطائفة السنية تباع داخل أحياء الطائفة العلوية والتي كان يطلق عليها بوقاحة اسم” الأسواق السنية”. وفي (ادلب) جرى توزيع مقتنيات وممتلكات المنازل التي كانت تعود للطائفة العلوية بين العائلات السنية، كما تمت مهاجمة الكنائس والمساجد الشيعية.
ولم تنجو العديد من تلك المناطق من عمليات التطهير العرقي أكانت موجهة ضد ابناء الطائفة العلوية الهاربين من المناطق التي احتلها الثوار ام كانوا من ابناء الطائفة السنية ممن حاولوا الفرار خارج دائرة الموجهات مثلما حصل في حمص، وكذلك حين تدفق العلويون باتجاه (المزّة 82) المنطقة ذات الغالبية العلوية في دمشق. لقد تكررت واشتدت هذه الحوادث مع مرور الزمن، بل انه ومنذ بداية الانتفاضة خيّم شبح الطائفية، فخلال شهري أذار ونيسان من عام 2011 وفي مدينة بانياس كانت جموع المحتجين من المعارضة يصرخون بعبارة ” المسيحيون الى بيروت والعلويون الى المقابر”، وحرّف المحتجون في حمص شعار “واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد” الى شعار “دمْ السنّة واحد”، غير ان قادة من المعارضة المعتدلة أصرّوا على ان عملاء النظام هم من أطلق تلك الهتافات أو ادّعوا بحصولها. رغم كل هذا فلا أحد يستطيع الادعاء ان النظام هو الذي قام فجأة بافتعال بعض أشكال التوتر في عام 2011، لكن وجود الاستعداد المسبق لدى مؤيدي الأسد لتصديق الادعاءات التي تقول ان المعارضة تخفي أهدافاً طائفية هو دليل على ان الهتافات والشعارات التي كان يجري اطلاقها تستند في الأصل على المخاوف المترسخة بين الناس. ان اندفاع الاطراف المتنازعة للإعلان وبشكل صريح وواضح عن التزامهم بأهداف وطنية وغير طائفية يدل على عمق تلك المخاوف، رغم ان النظام والمعارضة كانا قد تقبلا في السابق وعند الحاجة مساعدات من لاعبين اقليميين ممن يتمسكون بأهداف طائفية، من الواضح هنا وجود كيانات طائفية تقودها أهداف سياسية حتى قبل نشوب النزاع الحالي، فالنظام والمعارضة كانا يدركان هذا الأمر تماماً وكانا على استعداد لاستخدام الهوية الطائفية وما يرتبط بها من مخاوف لتحقيق أغراضهم.
رغم ذلك، فلم تكن الطائفية هو الخط الوحيد الفاصل او المحرك الوحيد للأحداث. اذ ان بعض العلويين والمسيحيين والأكراد انضموا الى صفوف المعارضة مدفوعين بتأثير ايديولوجية سياسية في عام 2011 بالإضافة الى عامل آخر يتعلق بوجود كيانات فرعية في الدولة تتجاوز الطائفة. فهناك قبائل سنّية ساندت اما المعارضة او النظام مدفوعة بما ستحققه من مكاسب اقتصادية. فالقبائل التقليدية مثل العقيدات والحدادين وبني خالد الذين جرى تهميشهم من قبل الأسد وقفوا كلهم الى جانب المعارضة بينما ساندت قبيلة البكارة التي انتعشت وازدهرت اوضاعها خلال حكم الأسد وبقيت على ولائها لراعيها. كما لعبت الدوافع الاقتصادية دورا هاماً في مواقع اخرى ايضاً، فالمعارضة التي نهضت اساساً من داخل الأحياء الفقيرة والتي استقدمت الجموع الوافدة من الأرياف كانت أغلبها من السنّة ولم تحصل مثل تلك الاحتجاجات في المناطق السنية الأكثر ثراء. وكذلك فان قيام الثوار بعمليات نهب منازل الأثرياء في المناطق التي تم احتلالها، وبغض النظر عن الطائفة التي ينتمي لها أصحابها، يدل على سلوك مبني على الانتهازية الاقتصادية وليس على حماس يستمد زخمه من قناعات طائفية. اما من ناحية النظام فان العديد من البيروقراطيين السنّة والذين اعتمدوا على مدخولهم من المدفوعات الحكومية استمروا في ولائهم للنظام مثلما فعل الكثير من شرائح الطبقات الوسطى بما فيهم الفئات المحافظة من التجار السنّة في دمشق وحلب رغم ان بعضهم كان يقدم المساعدات السرّية لأطراف من المعارضة. مع ان مواقف هؤلاء من الموالاة او ممن يقفون على الحياد كان يرجع الى التهديد والتهويل الذي يمارسه النظام كما حدث عندما توعد بعض التجار بالقيام بالإضراب فلجأ النظام الى استخدام القوة لمنعهم من اغلاق محلاتهم التجارية. وبعد قيام الثوار بهاجمة مدينة حلب عام 2012 فانقسمت المدينة ذات الأغلبية السنّية استناداً الى خطوط اقتصادية وليس طائفية، فبقي القسم الغربي الثري في الجهة الموالية للنظام بينما وجد الثوار قاعدة لهم في القسم الشرقي من المدينة والفقير نسبياً.
ومما يدعو الى التشكيك في حكاية “الحرب الطائفية” هو اختلاف التجربة وعدم اتساقها بالنسبة للسوريين الذين عاشوا هذه التجربة بدرجات متفاوتة بحسب المنطقة الجغرافية، فالأجزاء الشمالية والشرقية من البلاد عاشت هذا النزاع لمدة 3 الى 4 سنوات بينما بقيت الأوضاع هادئة نسبياً في منطقة الساحل وجبل الدروز، اذ استطاع النظام، حين وضع هذا التقرير، التمسك بكلّ من محافظات طرطوس واللاذقية والسويداء والتي قدّمت كل واحدة منها أقل من 1000 حالة وفاة بين المدنيين منذ عام 2011 في الوقت الذي وصلت فيه اعداد الضحايا في كل من حلب وضواحي دمشق الى أكثر من 40,000، وبعيداً عن خطوط المواجهة، اجتذبت طرطوس واللاذقية لاجئين من كل الطوائف برغم الهيمنة السياسية للعلويين فيها، وعلى عكس ما حصل في مدينة حمص ذات التركيبة السكانية المختلطة ولكن الوقعة على خط المواجهة فقد عاشت اعمال عنف طائفية حادة. هناك عوامل تساعد على تفسير هذا التفاوت والاختلاف وأول هذه العوامل يتعلق بمستوى العنف والفوضى النجمة عنه ومدى انتشارها على الصعيد المحلي، فانهيار مواقع مؤسسات الدولة في حمص شدّد من حدة الصراع الطائفي فيها. أما العامل الآخر المؤثر فهو السياق التاريخي، حيث ان الطائفة العلوية التي هاجرت حديثاً الى مدينة حمص وعانت من استياء السكان السنّة، بينما في مدينة طرطوس تعايشت الطائفتان فترة تاريخية طويلة، وهناك عامل آخر متعلق بموقع حمص كمدينة مواجهة رئيسية مما جعلها مركز يجذب الأدوات الطائفية كالشبيحة والمتطرفين السنّة، لقد تكرر هذا المشهد عبر كل المناطق السورية، فأدت تجربة الحرب الى معاناة منطقة الساحل من آثار نقص المواد الغذائية وعمليات التجنيد الإجباري واعداد الوفيات من الأقارب في المناطق الداخلية. اما في مناطق حلب الشرقية فقد كانت معركة من أجل البقاء ضد البراميل المتفجرة التي استمر النظام في القائها.، في حين كانت المناطق الكردية تمرّ في حالة من احكم الذاتي، فهل يمكن الحديث حرب أهلية اختبرها المجتمع بنفس الطريقة في جميع المناطق السورية؟ الاحتمال الأكبر هو ان ضحايا العنف الطائفي هم أقرب الفئات التي ستنظر الى الصراع من خلال عدسة الطائفية مقارنة بالفئات الأخرى.
من الواضح ان الطائفية بالنسبة لبعض الأطراف المشاركة في الساحة هي مسألة هامة، وربما يعتبرها هؤلاء الدافع الرئيسي بالنسبة لهم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تجارب كل الفئات المنخرطة في توجيه الصراع والمشاركة فيه من حيث اتساعه في الزمان والمكان بالإضافة الى تواجد العوامل الأخرى المحركة والمحرضة للنزاع، سيكون تشخيص النزاع او وصفه على انه (حرب طائفية) غير دقيق ويصبح إطلاق تسمية (شبه طائفي) مناسبا وأكثر اتفاقاً مع الحالة الفعلية.
قضية الهوية والطائفية
يأتي النزاع في سوريا وسط جدل ونقاش حول طبيعة الهوية السياسية في الشرق الأوسط. لقد أنعش العنف الطائفي في العراق بعد عام 2003 قضيتين متشابكتين طال النقاش حولهما: كيف تكونت الهويات الفرعية او الكيانات الثانوية الأخرى في بنية الدولة ولماذا يتم تحريكها عن طريق العنف. للإجابة عن السؤال الأول يرى الأكاديميون والمختصون في هذا الشأن ممن يقاربون الموضوع من وجهة نظر حداثية ومعاصرة والتي تجد ان الهويات السياسية اكانت على مستوى الوطن ام هي كيانات فرعية داخل الوطن فجميعها تعتبر “كيانات متخيلة” اي تقوم على روابط “متخيلة” يعطى لها معنى سياسي يحددها من قبل النخبة بالإضافة الى ما تقدمه التغيرات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة الحديثة. غير ان العنف بين السنّة والشيعة في العراق وضع علامة استفهام حول هذا التفسير الحداثي او المقدمة التي تجد في الكيانات السياسية على انها كيانات متخيلة فلجأ بعض الأكاديميين الى تفسيرها انطلاقاً من فكرة الهوية “الأصلية” او “البدائية” والتي تعني ان السنّة والشيعة يتمسكون بأحقاد قديمة لم تتمكن الدولة العراقية “المزيفة” من القضاء عليها. ان اساطير العداء المتجذرة في التاريخ بين الشيعة والسنّة والمستمرة في التجدد ويعاد اختراعها لتتناقلها الأجيال مع مرور الزمن وتتحول الى ما يشبه الخلايا النائمة التي تبقى على أهبة الاستعداد لكي تستيقظ لتتلاءم مع الحاجات التي قد تبرز في المستقبل. البعض يرى في الطائفية على انها متجذرة في حقبة تنتمي الى ما قبل الحقبة المعاصرة باعتبارها هويات قديمة تنتظر من سيوقظها من سباتها وليست بنى او كيانات مستحدثة استخدم في بنائها احداث ماضية وقديمة لإسباغ الشرعية على نفسها وتحويلها الى هويات شرعية. ان التمعن في التاريخ السوري يكشف ان تسييس الهويات الطائفية ليس حدثاً جديداً فقد تم استغلاله من قبل النخب القيادية منذ مدة طويلة سبقت استلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا عام 1970 وهذه كانت تطورات جديدة وليست مجرد كيانات او هويات قديمة نائمة على وشك النهوض من سباتها التاريخي. نعم ان الطائفية تم تشجيعها واحيائها عن عمد من قبل النخب القيادية لاستخدامها كأداة استراتيجية لفرض السلطة من قبل الحاكم وذلك منذ قامت الجماهير وشعوب المنطقة بالتحرك السياسي مع بداية القرن العشرين، غير ان ذلك رافقه محاولة ناجحة لتعزيز الشعور بالهوية الوطنية السورية التي كان يجري احاطتها بالإبهام والغموض عن قصد. ان فهم تلك التطورات والاحاطة بتلك الهويات او الكيانات وما نجم عنها من تفاعلات سيساعد على توضيح الطبيعة “شبه الطائفية” لنتائج النزاع في سوريا بعد عام 2011.
أما عن أسباب تأجيج الروابط الطائفية والعرقية وتحريكها عن طريق العنف فيرى أحد المختصين بتحليل الحروب والنزاعات العرقية ان الدول المتعددة عرقياً وطائفيا يكون الوضع فيها طبيعياً حين يسري فيها مبدأ التعايش غير ان توفر بعض العوامل على المدى القصير او البعيد يدفع هذا التعايش نحو حافة العنف ولا بد من وجود “الأحقاد القديمة” بين الجماعات او الأحقاد وعدم الثقة التي يجري تصورها على انها نشأ منذ قرون مديدة رغم انها في الواقع نشأت من تطورات حديثة. اما السبب الآخر فيكمن في وجود الصراع الاقتصادي بين الجماعات بحيث تلجأ الجماعة التي صعدت الى السلطة من الاستفادة القصوى والسريعة على حساب الجماعات الأخرى، والسبب الثالث يتعلق بقيام النخبة الحاكمة بالترويج والتشجيع للفصل والتقسيم على اساس طائفي وعرقي لتسهيل تحقيق طموحاتهم.
في سوريا قامت النخبة ومنذ البداية بتسييس الهويات والكيانات الفرعية في الدولة كالطوائف. ويمكن تقسيم هذه النخب التي تمارس التلاعب والمناورة الى ثلاثة فئات: الأولى وتتكون من النظام الحاكم نفسه، أكان هذا الحاكم هو السلطة العثمانية أو الانتداب الفرنسي، أم القادة السياسيين في خمسينيات القرن الماضي أو في الستينيات أم هم سلالة الأسد، والتي قامت بتسيس الروابط الفرعية القائمة في الدولة من أجل الحصول على المكاسب السياسية في المدى القصير. والثانية تتكون من النخب الفرعية على مستوى الوطن او الدولة، مثل قادة العشائر الذين تقبلوا التسييس الذي طبقه الفرنسيون على الطوائف في عشرينيات القرن الماضي لتوسيع نفوذهم كما فعل الاخوان المسلمون حين قاموا بتسييس الهوية السنّية اثناء صراعهم مع الأسد في سبعينيات القرن الماضي. وأخيراً هناك النخب الدولية او العالمية مثل دول كمصر او الأردن في سبعينيات القرن الماضي، او السعودية وقطر وتركيا في الحرب الأهلية حالياً، ام الكيانات الفاعلة التي ليس لها صفة دولة مثل وكالات الاعلام او الأطراف الجهادية التي استخدمت واستغلت الهويات والكيانات السورية للوصول الى غاياتها.
الطائفية وبناء الدولة السورية
لقد جرى تطوير الهوية الطائفية في سوريا بطريقة ديناميكية وبموازاة الهوية الوطنية. سوريا التي نعرفها اليوم لم تكن موجودة قبل عام 1920 وكذلك الأمر بالنسبة الى الهويات السياسية للأقليات. ومارست السلطة العثمانية أثناء الحكم الامبراطوري سياسة التمييز ضد اليهود والمسيحيين بينما عانى المسلمون من غير السنّة كالعلويين والدروز حالات من الاضطهاد مع ابقائهم في وضع يميزهم عن باقي الطوائف، ولم تكن الروابط
التي تجمع تلك الأقليات قد تحولت الى كيانات سياسية، أي لم يكن قد جرى تسْييس تلك الطوائف والأقليات بعد، كما حصل مع حركات الشغب المعادية للمسيحيين في مدينة دمشق عام 1860، ويرى بعض من درس ذلك التاريخ ان من يقف وراء تلك الأحداث دوافع حديثة ومعاصرة ولا علاقة لها بحسابات تتعلق بأحقاد قديمة او بتصفية حسابات تاريخية بين الطوائف المتنازعة، فالسلطات العثمانية كانت ممتعضة من نجاحات المسيحيين الأخيرة في مجال التجارة. لقد بقيت السياسة داخل الإطار المحلي الضيق وحافظت القبيلة والطبقة والمنطقة على أهمية تعادل أهمية الطائفة او الدين.
ومع الانتداب الفرنسي ( 1946-1920) الذي حلّ محل الحكم العثماني تحولت سوريا ومعها الطوائف الى هويات وكيانات سياسية ، واعتنقت العديد من النخب في سوريا رؤى واحلام تتسم بالعظمة والهيبة وتلتهب بتصورات تتغنى بالقومية العربية او بطيف سوريا الكبيرة ، رغم ان أغلب طموحات هؤلاء النخب اقتصرت على نيل الاستقلال من فرنسا. ولكن الوجود الفرنسي والعنف الذي لازمه بالإضافة الى توسع العمران وانتشار التعليم زاد من تعاطف الجماهير مع تلك الأفكار للوهلة الأولى، لكن تفضيل المستعمر الفرنسي لسياسة “فرّق تسد “جعلهم يشجّعون ويؤكدون على الفوارق بين الطوائف الدينية ونجم عنها اقتطاع لبنان من سوريا ليحكم من قبل الطائفة المسيحية في عام 1920 وما بقي من سوريا تم تقسيمه ايضاً على اساس طائفي الى دولتين : واحدة (دولة علوية) والثانية (جبل الدروز) وجرى ايضاً تكوين دولة في منطقة دمشق وأخرى في منطقة حلب ، رغم ان التوزع الديمغرافي لم يتطابق حينها مع التصور الفرنسي ونجم عن ذلك تواجد جماعات سكانية كبيرة من المسيحيين والسنّة ضمن الدولة العلوية. بالإضافة الى هذا التقسيم الطبيعي قام الفرنسيون بتقسيم من نوع آخر يتطلب تودداً للعائلات البارزة ضمن الطائفة العلوية والدرزية والمسيحية والكردية وذلك لإضعاف الموقع الذي كان يحتله وجهاء السنّة. والمفارقة الغريبة هي ان (قانون الأحوال الشخصية الفرنسي) أوجد للمرة الأولى صيغة “سوري” كما برزت في نفس الوقت الصيغ التي تقول ب (الأغلبية) السنّية الى جانب تعبير (الأقليات). التقسيمات الجغرافية لم تدم طويلاً بعد توحيد دمشق وحلب عام 1925 وبعدها انضمت الدولة العلوية وجبل الدروز لتصبح جزئاً من الدولة السورية قبل الاستقلال عام 1946 ، غير ان الدولة المستقلة حديثاً لم تنعم بالاستقرار ، فبين عام 1946 وصعود حافظ الأسد الى السلطة عام 1970 جرت 8 انقلابات عسكرية ناجحة ومع ذلك فقد أصبحت السياسة الوطنية أكثر ثباتاً أخذت الأقليات تتبنى المواقف الأيديولوجية للأحزاب الشمولية وجرى التنافس في انتخابات برلمانية وطنية بناء على الخلفيات الأيديولوجية والمناطقية والشخصية للمرشحين المتنافسين وليس بناء على خلفيتهم الطائفية.
وقبل ان يجري حظر نشاط الأحزاب السياسية عام 1958 كانت الهوية الوطنية قد بدأت تتطور وتكتسب ملامحها كما حصل في العديد من الدول التي تجاوزت المرحلة الكولونياليه وحلّت الأحزاب القومية، كحزب البعث، محل أحزاب النخب التقليدية التي ظهرت في دمشق، غير انه برز أيضاً بعد المرحلة الكولونياليه توجه آخر قادته القوة العسكرية المسيّسة للجيش والتي وجدت في الانقلابات العسكرية طريقاً لاستلام السلطة أسرع بكثير من اللجوء الى صناديق الاقتراع.
مع ذلك فقد ظلت الهوية السياسية للطائفة تلعب دوراً في القضايا السياسية واستمرت المكونات الفرعية للدولة وارتباطاتها الخاصة بالطائفة والقبيلة والمنطقة تفعل فعلها بنشاط، كما دخلت الأقليات في تركيب الجيش وباتت تمثل نسبة أكبر بكثير من حجمها وتعدادها، وذلك نتيجة لقيام السلطات الاستعمارية الفرنسية بتوسيع حملات التجنيد الإجباري وما كان يقابلها من ترفع وازدراء من قبل السنّة للمهن العسكرية، في حين كان الانخراط في الجيش يوفر للأقليات الفقيرة موقعاً اجتماعياً متقدماً. وذلك يعني ان الأقليات ساهمت بدور قيادي في الحركات الانقلابية، وقد احتل العلويون بشكل خاص مكانا هاما داخل حزب البعث وانقلابات أعوام 1963 ، 1966، 1970، وكما يذكر الباحث في الشأن السوري (نيكولاس فان دام) فان التنافس الطائفي كان احد الأسباب التي أدت الى حصول الانشقاقات في سياسة البعث بما في ذلك التنافس بين جماعات الأقليات وبين السنّة، بين العلويين في مواجهة الدروز، وبين الفئات العلوية المتنافسة والمنقسمة على اساس القبيلة او المنطقة او الولاءات الشخصية. وصحيح ان القياديين العلويين في حزب البعث من أمثال (صلاح جديد) و (حافظ الأسد) استخدموا شبكات الصلات المبنية على اساس الطائفة غير انهم كانوا مجرد انتهازيين وليس لكونهم شوفينيين طائفياً. وبغض النظر عن الدوافع فان التحول الذي أصاب الأقليات عن طريق وصول البعث الى السلطة وانتقالهم من الموقع الهامشي الى قادة سوريا وذلك حين برز التخوف من الطائفية. فالجهات المنافسة للبعث اتهمت الحزب بكونه “طائفي” بل ان بعض الفئات البعثية اتهمت اتهمت فئات بعثية أخرى. ورغم ان توجهاً لوعي وطني كان قد بدأ يتطور، لكنه تفاعل مع وجود هوية طائفية مسيّسة.
الطائفة والدولة تحت حكم حافظ الأسد
بعد ان اطاح حافظ الأسد بصلاح جديد في تشرين الثاني من عام 1970 جرى توسيع حجم الطائفة العلوية الموجودة داخل الجيش مع ازدياد نفوذ النظام فألحقت به وحدات النخبة كالحرس الجمهوري الذي هيمن عليه الوجود العلوي، مع انه لم يكن يوجد هيكل رسمي لمثل هذا التوزيع كما هو الحال في لبنان.
لقد نصّ دستور البعث على عدم أهمية الاختلافات الطائفية، لأنها ستتلاشى وتختفي مع الزمن، واحتفظ الأسد
بغطاء القومية العربية السورية فتم تسليم مناصب هامة داخل الحكومة المدنية الى حلفائه من السنّة من أمثال مصطفى طلاس (وزير دفاع 2004-1972) وعبد الحليم خدام (وزير خارجية 1984-1970 ونائب رئيس الجمهورية 2005-1984) اما الأعداء فقد وصفوا الوضع على انه “نظام علوي” فالأسد أقام نظام يقوده ويحركه أفراد من عائلته وافراد من عشيرته. وتمتع عدد محدود من افراد الطائفة بالمزايا الاقتصادية بفضل المحسوبية والمحاباة بينما ظل أغلب أبناء الطائفة بعيدون عن نيل اي فائدة تذكر، كما استمر النظام في الاعتماد على الطائفة السنّية ولاسيما الفلاحين منهم، وان كان قد سيطر التصور بان الطائفة العلوية مرتبطة بالسياسة أكثر من أي وقت مضى. مع ان حافظ الأسد نشط في الترويج لهوية وطنية عبر الحوار وعن طريق مؤسسات الدولة وكذلك بالارتباط مع عبادة شخصيته. غير ان الهوية الوطنية هذه تم وضع مواصفاتها بشكل مبهم عن عمد، فأبرزت جوانب مختلفة من ثقافة وتاريخ سوريا حسب الأولويات المتغيرة مثل: القومية العربية في مواجهة اسرائيل، ثم هوية سورية الكبرى لتبرير التدخل العسكري في لبنان وكذلك موضوع الإسلام بعد فشل انتفاضة الإخوان المسلمين.
لقد سمح النظام بالاستمرار في ممارسة الطائفية بل قام بتشجيعها، فقانون الأحوال الشخصية الفرنسي الذي تمت اعادة صياغته عام 1953 جرى الاحتفاظ به ليسمح بالتالي بالاستمرار في عملية التصنيف القانوني على أساس الاصول الدينية. ورغم المحاولات التي جرت عام 1973 لإلغاء المادة 3 من الدستور السوري التي تنص على ان يكون دين رئيس الجمهورية هو الاسلام، ولكن جرى الاحتفاظ بها استجابة لإصرار المؤسسة السنية، كما تم المحافظة على المحاكم العشائرية الخاصة بالبدو والدروز، ثم تمت معاقبة الأكراد واستثنائهم من المشروع الوطني بإنكار حقوقهم الثقافية.
ان العلاقة بين الطائفتين السنّية والعلوية في سوريا تختلف تماما عن العراق أثناء حكم صدام حسين حيث جرى اضطهاد ثقافة الأغلبية الشيعية من قبل الأقلية السنية بينما جعل حافظ الأسد الأولوية لديانة الطائفة السنية، وعوضاً عن الهيمنة وجد ان الوقت قد حان لدمج الطائفة العلوية التي عاشت لفترة طويلة معزولة من قبل السنة. وبعد الاحتفاظ بالمادة 3 في الدستور أعلن القائد الشيعي موسى الصدر ان الطائفة العلوية تعتبر من الشيعة (الاثنا عشرية) وبالتالي فهم من المسلمين مما يتيح لحافظ الأسد ان يصبح رئيساً للبلاد. وحالما برزت النخبة العلوية الجديدة طالبت الطائفة بالتقليل من أهمية الفوارق الثقافية، وهكذا جرى تعليم المنهاج الاسلامي السنّي داخل المدارس مما خلق احساساً بتفوق الطائفة السنية مقابل الطوائف الأخرى لدى بعض الأوساط والتي تتيح لبعض الطامحين من الأقليات استغلالها وعلى رأسهم (الطليعة المقاتلة) الجناح المتطرف في حركة الاخوان المسلمين الذي اندفع في اتجاه يهدف الى نزع القناع عن طائفية النظام عن طريق التحدي والاثارة، فبدأت منذ عام 1976 بنشر الدعوات الطائفية واغتيال شخصيات علوية وتشجيع كتابات (ابن تيمية) وقد تلاءم مثل هذا النشاط مع شريحة من الطائفة السنّية وخاصة في مدينة حماة وكذلك لدى الأوساط المحافظة في مدينة حلب ، ولاسيما لدى النخبة التي جرت ازاحتها من قبل البعث، بالإضافة الى ان هذه المواقف والتحولات دفعت بعض العلويين الى زيادة التشدد والتعصب الطائفي فشارك بعضهم في قيادة الحملات الدموية ضد الاخوان المسلمين والتي وصلت الى ذروتها في مجزرة مدينة حماة عام 1982 .
ثم شنّ الرئيس المصري حملة طائفية عبر راديو القاهرة التي كانت تصل الى مسامع السكان في سوريا، كما ركّز الملك حسين من الأردن على الطبيعة العلوية للنظام السوري.
كانت سنوات حكم حافظ الأسد مثيرة للجدل فتم صرف الطائفة من الناحية الرسمية وان كانت متضمنة ومشمولة عند تشجيع القومية العربية السورية، وبإعادة انتاج الطائفة كهوية سياسية ، ولم تؤدي هذه الكيانات الطائفية المشحونة الى حرب أهلية في 1982 رغم الرد الوحشي من قبل النظام لأن موقف معظم السنّة لم يكن مؤيداً للإخوان المسلمين، اذ ساند تجار دمشق الأسد وبشكل علني محمولاً على الأكتاف ومباشرة بعد أحداث مدينة حماة. لقد تشابكت حينها مصالح ما يكفي من السوريين مع النظام الذي وفر لهم غطاء ملائم من البلاغة والدعاية القومية الشمولية، ولم تسمح الأوضاع بالتحرك ضمن اصطفافات طائفية.
الطائفية في فترة حكم بشار الأسد
توقع البعض ان يخفف بشار الأسد بعد وفاة والده ومن ثم صعوده الى السلطة عام 2000 من التحيز والمحسوبية خاصة انه وشقيقه ماهر تزوجا من عائلات سنّية، كما انه قام بخطب ودّ المراكز السنّية التي طفحت بالغضب، وانصب تودده في مدينة حلب على التجار والقادة السنّيين، غير انه مع مرور ذلك العقد من الزمن تفاقم ركام من التحولات الاقتصادية والسياسية المتشابكة والتي قادت نحو اندلاع الانتفاضات في عام 2011 وزادت من حدة الاحتقان الطائفي.
من الناحية السياسية لجأ الأسد في سبيل تقوية مركزه الداخلي الى ازاحة العديد من المساندين والمحيطين بوالده. فقام في عام 2005 بتهميش اتباع والده القدماء من السنّة أمثال عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وذلك لصالح أفراد من عائلته فشددّ بذلك من تحكّم النخبة العلوية بمقدرات السلطة. أما من الناحية الاقتصادية فقام بإصلاحات اقتصادية رئيسية نتيجة لزيادة معدل النمو السكاني بوتيرة أسرع من قدرة الاقتصاد على توفير الاعمال في نفس الوقت الذي تهاوى فيه الاحتياطي النفطي. لقد كان والده حافظ ، منذ التسعينيات، قد تخلى عن الاشتراكية لصالح تحرر رأسمالي محدود ليأتي ابنه بشار ويبدأ في تعجيل هذه العملية .
لقد أثبتت سنة 2005 على انها عام حاسم ونقطة تحول، فبعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فقد النظام سلطانه على لبنان الذي كان مصدراً كبيراً لزيادة دخله من جراء عمليات السوق السوداء ومواجهاً عقوبات مالية من قبل الولايات المتحدة، وكان ردّ النظام اعلانه عن الخطة الخمسية العاشرة لخلق سوق اشتراكية للاقتصاد مما جذب استثمارات في المدى القصير ولكن بتكلفة عالية في المدى البعيد. لأنه أولاً تم تسليم معظم الفرص الاقتصادية الجديدة الى نخبة النظام، مثل رامي مخلوف، ابن عم الرئيس. ان هذه النخبة الجديدة التي ضمت بعض السنّة والمسيحيين والتي طغى عليها العلويون لم تعد تخفي ثرواتها فأصبحت رمزاً لتجاوز الحدود في اسراف السلطة، في نفس الوقت قامت (الاصلاحات الاشتراكية) باقتطاع مساعدات اساسية عن المواطنين العاديين، أغلبهم من الفلاحين السنّة، والذين عانوا في تلك الفترة
( 2010-2006 ) من الجفاف ومن الادارة السيئة والفاسدة، وعلى هؤلاء ان يعيشوا دون ان تصل اليهم المعونات الأساسية المخصصة للوقود والسماد. ولقد قادت هذه الأوضاع الى نزوح جماعي كبير باتجاه المدن وصل الى 300,000 من الشمال الشرقي فقط حسب تقديرات الأمم المتحدة وساهم في تكوين تلك الأحياء الفقيرة حول المدن، بينما تدهورت أوضاع طبقة الفلاحين السنة والتي كانت بمثابة العمود الفقري لدعم البعث فأصابها الفقر والغضب اليوم، وربما قاد هذا التحول الى إشعال التوتر السنّي-الشيعي اللاحق. ولقد اتهمت بعض أوساط السنّة النظام بتقديمه المساعدات للمناطق العلوية لإنقاذها من الجفاف بينما أهمل المناطق الأخرى، ففي حمص التي شهدت عنفاً طائفياً حاداً أثناء الحرب الأهلية جرى كان قد جرى منح الطائفة العلوية التي وفدت الى المدينة امتيازات اقتصادية ونفوذاً واسعاً أثار استياء الطائفة السنّية والمسيحية التي كانت تقطن المدينة. ومع انه في عام 2011 قامت داخل المدن ذات الأغلبية السنية احتجاجات تستهدف النخبة الفاسدة وخاصة (رامي مخلوف) ولم تكن موجهة نحو الطائفة العلوية عموماً مما يدل على ان همومهم منصبة على الشأن الاقتصادي والسياسي وليس على ما هو طائفي. لقد فاقم التوتر الطائفي انحسار القاعدة السياسية لنظام بشار الأسد وما رافقها من ازدياد ثروات الشخصيات العلوية الموجودة او المقربة من السلطة.
لقد أثّرت الاصلاحات الاقتصادية على البنية الاجتماعية في سوريا وأدت الى تخفيض في ميزانيات الدولة التي تخص نقابات العمال والفلاحين بما فيها مؤسسات حزب البعث وأضعف هذا امكانيات النظام المتعلقة بمنظومة اتصالاته مع انصاره وقدراته على اختراق أحياء المدن والقرى، ثم جرى تخفيض ميزانية الجيش وتقصير مدة الخدمة العسكرية واعطيت بعض الخدمات لمتعهدين او لمنظمات غير حكومية. أي ان النظام كان يقلص خدماته الاجتماعية ، وبينما قامت الزعامات الحزبية والنقابية بالتوسط لحل الخلافات المحلية في السابق حلّ محل هؤلاء تدريجياً زعماء العشائر والقادة من الطوائف أو الشخصيات الدينية، وبشكل تدريجي أخذ يتآكل أيضاً العقد الذي وضعه حافظ الأسد بين النظام والمجتمع.
ازداد دور المنظمات الخيرية الدينية في ادارة البرامج الخيرية المخصصة لمساعدة الفقراء القادمون من الأرياف، رغم ان الموقف المتوقع والمفترض لبشار الأسد هو الموقف العلماني الا انه أخذ يسمح بتوسيع وزيادة التوجه نحو التيار المحافظ في المجتمع ولكن البعيد عن السياسة وتضمنت عبادة شخصيته شعارات دينية مثل: “سوريا: الله حاميها، والأسد راعيها!” بالإضافة الى الشعارات السورية العلمانية وشعارات القومية العربية، كما عادت الى الظهور اتجاهات دينية محافظة تم منعها من قبل حافظ الأسد مثل (حركة زياد) ولا يوجد دليل على ان هذه الحركة كانت تدعو الى الطائفية بل ان العديد من هذه الجماعات وقف الى جانب النظام مع بداية الانتفاضة، غير ان نمو الجماعات الخاصة التي لم تكن تتبع الدولة وتحدد نفسها من منطلق ديني او طائفي ساهم بشكل غير مباشر في زيادة التوتر الطائفي. كما ان انهيار مؤسسات الدولة في العراق ونمو المشاريع الخدمية القائمة على اساس طائفي هناك اثناء فرض العقوبات الدولية فتح المحال امام
اصحاب المشاريع الخاصة من أبناء الطوائف لتحويل علاقاتهم مع الطائفة الى علاقات سياسية مع انهيار الدولة عام 2003 ويفسر هذا التحول البنيوي في علاقة الدولة بالمجتمع لصالح تقوية علاقة الطائفة بالمجتمع اسباب نجاح اصحاب المشاريع الخاصة بعد عام 2011.
لقد ساهمت الأوضاع الخارجية ولاسيما الحرب الأهلية في العراق في زيادة حدة التوتر داخل سوريا، فلجأ اعلام النظام الى استغلال الفوضى هناك ونشر الخوف حول الطائفية في نفس الوقت الذي قدّم نفسه على ان النظام هو من سيوفر الحماية، في حين كان الأسد مصمماً على اضعاف الولايات المتحدة في العراق وفي سبيل انجاز هذا الهدف قام بتسهيل انتقال الجهاديين السنّة الى خطوط المواجهة داخل العراق. كما ان الحرب في العراق شجعت الأكراد داخل سوريا على تشديد المطالبة بالاستقلال الذاتي، وقد شنّ النظام هجوماً واسعاً على أعمال الشغب المرتبطة بإحدى مباريات كرة القدم الكردية في مدينة القامشلي عام 2004 نجم عنه مقتل 15 وجرح اكثر من 100 شخص ومرسلاً بهذا رسالة الى القوميين الأكراد، كما انه قام بشحن التوتر القائم بين الأكراد والعرب الذين كانوا يساعدون النظام. لقد استغلت النخب الخارجية الطائفية التي هيمنت في العراق وقد ساهم سقوط صدام في ارتفاع حدة التوتر بين السعودية وإيران، وكلما ازداد النفوذ الايراني في العراق كانت مساعي السعودية تتوجه نحو تقويض جهود إيران لإحراز الدور القيادي في المنطقة بالتأكيد على السمة الشيعية لنفوذها. وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد حذّر من مخطط (الهلال الشيعي) عبر المنطقة، في نفس الوقت الذي شرعت فيه القنوات التلفزيونية التي تملكها السعودية وبقية دول الخليج بتقديم عروض تهيمن عليها اللغة الطائفية، من ضمنها الهجمات التي اطلقها يوسف القرضاوي من قناة الجزيرة ضد نشاطات التشييع التي تمارسها ايران.
رغم كل ما يحمله نظام حكم بشار الأسد من احتمالات قوية لتوسيع الطائفية فان البحوث الاثنية التي أجريت بين ( 2010-2007 ) تبين ان معظم السكان في سوريا لم يطرحوا مشروعاً كهذا في الظاهر، كما تظهر الاحصاءات التي اجريت في نطاق مجمل المنطقة ان العرب السنة عموماً يرفضون التأويلات الطائفية للسياسة الاقليمية. ومع ذلك فان استمرار بشار الأسد في السلطة طوال هذه المدة حيث واصل خلالها الاتجاه الذي ارساه والده من قبله والذي يتنكر للاختلافات الطائفية بينما يعزز من ناحية أخرى أهميتها السياسية كأداة للاحتفاظ بالسلطة، ونجم عن ذلك توسيع الامتيازات الاقتصادية للنخب العلوية وزيادة الاعتماد على الطائفة العلوية كقاعدة للسلطة، وترافق هذا مع وجود اسلام سنّي محافظ سمح به النظام يرافقه حوار اقليمي طائفي يزداد انتشاراً. وشكّل كل ذلك بيئة ضاغطة لتذكير السوريين بهوياتهم الطائفية، في نفس الوقت الذي الذي اخذت فيه الاصلاحات الاقتصادية تضعف مؤسسات الدولة وسمحت للجماعات المبنية على اساس من روابط دينية او طائفية لكي تملأ الفراغ مع ابقاء الباب مفتوحاً في المستقبل لدخول ابناء الطائفة والأقليات من اصحاب الأعمال والمقاولين الجدد.
العوامل المحركة للطائفية في الحرب الأهلية في سوريا
لقد جرى حشد القوى في سوريا بطريقة مختلفة عما حصل في النزاعات العرقية والطائفية في كل من يوغسلافيا ولبنان والعراق باعتبار انها لم تكن قد شهدت بعد الانهيار الكامل للدولة. لقد حصل ذلك بشكل جزئي في شمال وشرق سوريا حيث تم التخلص من النظام واخراجه منها، وان لم يكن النشاط السياسي الذي ظهر وبرز بعد ذلك ذو طبيعة طائفية حيث ان العديد من قوات وكتائب (الجيش السوري الحر) ورغم كل المحاولات لتوصيفها طائفياً عن طريق التأكيد انها سنّية فقد استمرت (الجيش السوري الحر) في طرح حوار وطني شامل. أما في المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام ولم تنهار فيها الدولة فقد سيطر الخوف من تغيير النظام
وداخل هذه المناطق الضعيفة نشطت الشبيحة مستخدمة في قتالها ادوات الطائفية والعرقية.
ان المسؤولية الرئيسية لتحويل ما يجري في سوريا الى نزاع طائفي تقع على عاتق النظام. فقد استخدم الأسد العنف بشدة منذ البداية ضد المعارضة السلمية واستفزازهم من أجل مواجهة مسلحة حيث توقع ان ينتصر فيها جيشه النظامي، وقد تطلب ذلك استمرار الدعم والمساندة لتجنب انهيار النظام كما حصل في مصر وجرى استغلال الهويات والكيانات الطائفية لهذا الغرض. يمكن تحديد مرحلتين، الأولى مع بداية الاحتجاجات قام النظام بإنعاش المخاوف القديمة (مخاوف الطائفية) ، وتم تصوير المعارضة في وسائل اعلام السلطة على انها تعبير عن الطائفية الاسلامية. لقد جرى استهداف بعض العلويين بشكل خاص من أجل التمويه والتعمية حيث كان الشبيحة يقومون بنقل أكياس الرمل الى القرى العلوية لأن القرى السنّية المجاورة كانوا في حالة هيجان كما كان يدّعي الشبيحة، وقد ذكر البعض ان ظهور العناصر الارهابية بين صفوف المعارضة هي محاولة من الأسد لدفع المعارضة نحو التطرف وذلك بإطلاق سراح الجهاديين من داخل سجونه في عام 2011 , وزجهم بعد ذلك بين صفوف المعارضة.
وأخذ النظام في المرحلة الثانية يوظّف الطائفية بطريقة أكثر وضوحاً وصراحة، وخاصة بعد ان تمكنت المعارضة المسلحة من الاستيلاء على اراض واسعة في عام 2012 ونتج عنه تحول هيكلي خطير، فإذا اضيف اليه الانشقاقات الواسعة داخل الجيش التي أدت الى أزمة في القوة البشرية نجم عنها سعي النظام لتعويض تلك القوات باستقدام جماعات طائفية اقليمية مثل : حزب الله والميليشيا الشيعية العراقية بالإضافة الى ميليشيات (قوات الدفاع الوطني) التي تم تنظيمها عسكرياً ثم وضعت تحت اشراف القوات الايرانية وحزب الله، ثم أخذ النظام يشجع على تشكيل وحدات محلية يهيمن على كل وحدة طائفة معينة، أغلبها من الطائفة العلوية، بالإضافة الى الطائفتين المسيحية والدرزية. كما سمح النظام بتشكيل ميليشيات لها هوية طائفية صريحة كالميليشيا الدرزية (جيش الموحدين) والميليشيا العلوية (المقاومة السورية)، وانتشرت الرموز والشعارات الطائفية التي كان قد جرى التضييق عليها سابقاً مثل نجمة الدروز الخماسية الألوان و(سيف ذو الفقار) الشيعي ظهر ضمن الحملات الدعائية للميليشيا الشيعية في أسواق دمشق، وما له دلالته التمويهية هو ان كل هذه الرموز والشعارات الطائفية ظهرت برفقة شعارات ورموز وطنية، فالنظام لم يتخلى عن الغطاء الوطني بعد والاستفادة من اطروحات قوى أخرى لها تاريخ طويل في ترسيخ عبادة الفرد والثقافة الفاشية التي أفرزتها، فيذكر أحد المشاركين وفي بداية الثورة كيف أشار شخص ينتمي الى ثوار مدينة ادلب الى شعار (الزوبعة- الصليب المعقوف المعدل) والخاص ب (الحزب القومي السوري) والى مظاهر “الترف والمال” التي باتت واضحة على بعض شبيحته ، وكيف كان يندس بعض أفرادهم بين المحتجين اثناء تظاهراتهم شبه اليومية التي تشهدها المدينة، ثم يضيف كيف ان اثنين آخرين تمكنا من شراء سيارتيهما فقط بعد قيام الثورة السورية وامتدادها الى مدينة (ادلب) .
لقد تعززت الطائفية ايضاً من جراء المساعدات والأموال المتدفقة من الخارج بما فيها تلك القادمة من دول الخليج والتي شجعت أطراف داخلية على تبني مواقف سنّية أكثر تشدداً من الناحية الطائفية ويدفعها التنافس للحصول على الأموال، مما قوّض جهود (الجيش السوري الحرّ) لتوحيد المعارضة المعتدلة المسلحة ومدى تأثير ذلك على مجابهة النظام وميليشياته، وكذلك أيضاً ساهمت بعض الأطراف الخليجية في شحن اللغة الطائفية التي كانت موجهة الى داخل سوريا عبر وسائل الاعلام فاستخدم الشيخ السوري (عدنان العرعور) موقعه على قناة (صفا) السعودية لإثارة الغضب ضد العلويين، وكذلك الأمر قامت القناة القطرية (الجزيرة)
بتضخيم صيحات (القرضاوي) في عام 2013 حبن قال:” ان زعيم حزب الشيطان يأتي ليقاتل أهل السنّة…الآن عرفنا ماذا يريد الايرانيون…يريدون المجازر المستمرة والمدبرة لقتل أهل السنة.” أما قناة (العربية) السعودية فقد كانت أكثر اتقاناً وأكثر رقة مع انها استمرت في نقدها للأسد ولايران، وان بقي العديد من الشخصيات الدينية السعودية يهاجمون علناً العلويين والشيعة ويتعاملون طائفياً مع الوضع السوري.
كما ان الاعلام الغربي وصناع القرار فيه ساهموا أيضاً في التأكيد على التفسير الطائفي للنزاع مفترضين التشابه في الحالتين العراقية والسورية وهم ينشرون الخرائط التبسيطية التي تستعير نفس الطريقة المستخدمة في شرح الوضع العراقي، فمثلاً يجري تصوير الساحل السوري باللون الأخضر تعبيراً عن الطائفة العلوية رغم ان الطائفتين السنّية والمسيحية يشاركونهم تلك المنطقة بنسبة 40%.