أيان حرسي علي) ناشطة وكاتبة من أصل صومالي ، ولدت عام 1969 في مقديشو وهي ابنة قائد المعارضةاالصومالية (حرسي ماجان عيسى)، قامت في عام 2004بكتابة سيناريو فيلم (الخضوع) الذي قام باخراجه الهولندي (ثيو فان كوخ) حيث تلقت بعده تهديدات بالقتل مع المخرج الذي أغتيل بعدها بالفعل، وقد تمت ترجمة مذكراتها تحت عنوان ( كافرة) الى الانكليزية التي نشرت عام 2007 .
كانت (ايان) قد ادّعت لدى دائرة الهجرة الألمانية عام 1992 انها كانت قد اجبرت على الزواج من ابن عمها المقيم في (كندا). وكان من المفروض ان تكمل (ايان) رحلتها بالذهاب الى (فرانكفورت) غير انها بدلاً من ذلك استقلت قطاراً متجهاً الى (هولاندا) حيث منحتها السلطات رخصة اقامة في البلاد لدواعٍ انسانية ثم حصلت بعدها على الجنسية الهولندية عام 1997 ، كانت (ايان) قد انضمت في عام 1995 لجامعة (لايدن ) في هولندا لدراسة العلوم السياسية ثم أعلنت ردتها عن الإسلام بعد أحداث نيويورك في 11 سبتمبر 2001 . وفي عام 2003 انتخبت عضواً في البرلمان الهولندي عن حزب الشعب للحرية والديمقراطية ولكن الأزمة التي نشأت من احتمال تجريدها من جنسيتها الهولندية ادت الى تقديم استقالتها من البرلمان مما ساهم في سقوط الحكومة عام 2006 . اقرّت (ايان) بان المعلومات التي قدمتها للسلطات المختصة والمتعلقة بحياتها الشخصية كانت كاذبة وغير صحيحة.
في بداية حياتها تعاطفت (ايان) مع الإخوان المسلمين ووضعت حجاباً حين كانت ترتدي زيّها المدرسي رغم ان وضع الحجاب لم يكن معهوداً في تلك الفترة، كما انها ايدت فتوى القتل بحق الكاتب البريطاني (سلمان رشدي) بعد صدور كتابه (آيات شيطانية). اعتبرت (ايان) ان اعتداءات الحادي عشر من ايلول على مدينة نيويورك في عام 2001 من قبل القاعدة كانت بمثابة نقطة التحول في مجرى حياتها وقناعاتها والتي قادتها الى التخلي نهائيا عن التدين والتحول الى الالحاد في عام 2002 خاصة بعد قرائتها ( بيان الملحد) للفيلسوف (هيرمان فيليبس) المحاضر في جامعة (لايدن) الهولندية، حيث سعت بعدها الى صياغة وتكوين رؤيتها النقدية للاسلام فنشرت عدة مقالات حول هذا الموضوع كما ظهرت في برامج ومقابلات تلفزيونية، ووضعت افكارها ضمن كتاب نشرته عام 2002 وتلقت اثنائها تهديدات بالقتل. نشطت (ايان) في اكثر من حزب او حركة سياسية، وعاشت (ايان) منذ شهر تشرين الثاني عام 2002 ولغاية كانون الثاني من عام 2003 خارج هولاندا رغم انها كانت تتقاضى راتباً من قبل (حزب الشعب للحرية والديمقراطية) في هولاندا لأنها تشغل مركز ( مساعدة) في صفوف للحزب، وأثناء خدمتها داخل البرلمان كانت دائمة الإنتقاد للاسلام مثيرة بذلك العديد من الإشكالات بهذا الخصوص وتهديدات بالقتل. ورشحتها احدى الجهات داخل البرلمان النرويجي لنيل جائزة (نوبل). وفي عام 2006 حصلت (ايان) على عمل في معهد (اميريكان انتيربرايس انستيشوت) في العاصمة واشنطن ، الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 2011 تزوجت (ايان)، المؤرخ البريطاني (نايل فيرغوسون) المقيم في الولايات المتحدة.
عبّرت (ايان) عن موقفها من الاسلام بالقول :” انه مثل النازية التي ابتدأت من رؤية (هتلر)، اما الرؤية الاسلامية فقد بدأت مع الخليفة – مجتمع تحكمه الشريعة- حيث يتم رجم النساء بالحجارة حتى الموت اذا كانت لهن علاقة جنسية قبل الزواج، ويتم ضرب المثليين، ويقتل الكفار من أمثالي. ان قانون الشريعة هو مثل النازية تماماً معاد لقيم الديمقراطية الليبرالية. والعنف متأصل ومتلازم في الاسلام – انه عبادة الموت العدمية والتدميرية، انه شرعنة الجريمة.” ثم كتبت مقالاً في عام 2007 تقول فيه انه يجب الحاق الهزيمة بالدين الاسلامي :” لكوننا في حالة حرب مع الاسلام ولا يوجد موقف وسط في الحروب. ” ثم تضيف ان اغلب المسلمين لا يمكن وصفهم بالمعتدلين بل يجب عليهم تغيير ديانتهم بشكل جذري.
ان ما تقوله (ايان) صحيح حول وجود مقاطع في النصوص الدينية الاسلامية تجيز العنف وتطبيق عقوبات صارمة وقاسية لكل من يحيد عن القواعد الأخلاقية والدينية التي وضعها الاسلام، وصحيح ايضاً ما تقوله ان العديد من المسلمين الذين يعيشون في عدد من الدول الإسلامية ما زالوا يعتقدون بقتل الملحدين، ورجم كل من يرتكب الزنا، وضرب النساء بسبب العصيان لأن النص الديني يقتضي ذلك ، ولكن (ايان) مخطئة تماما حين تريد التوصل من خلال تلك المقدمة الى استنتاج تناقش فيه ان النص الديني في الاسلام او الكتب المقدسة لدى المسلمين مثل القرآن والحديث هي التي سببت الارهاب وان على الحكومة الأمريكية ان تموّل وتقدم المال للمنشقين الاسلاميين ليتخذوا خطوات اصلاحية في الاسلام.
ان النصوص الدينية في الاسلام هي مواضيع ثابتة لم تتغير منذ 1000 عام تقريبا وهي تتكون من القرآن والحديث وهو يتألف من مجموعة الأقوال والأفعال المنسوبة الى النبي محمد من قبل أتباعه، والمسلمون الراغبون في تسويغ وتبرير العنف بإمكانهم ان يجدوا الكثير من المقاطع للإستشهاد بها ، غير ان السلوك السياسي في الاسلام طرأت عليه متغيرات عديدة خلال التاريخ، لقد استشهد بعض المسلمين بالنصوص الدينية لتبرير العنف كما استشهد بعضهم الآخر بالنصوص الدينية الاسلامية لتبرير السلام، فاذا كانت هذه النصوص ثابتة لم تتغير بينما المتغيرهو دوماً سلوك من يتبع تلك النصوص، اذن من المنطقي انه يجب البحث في جوانب أخرى للإجابة عن الأسباب التي تفسّر لماذا ينخرط بعض المسلمين في نشاط ارهابي. فاذا كان النص الديني في الاسلام لا يقود او يؤدي بطريقة آلية (اتوماتيكياً) الى الإرهاب فعلى المرء ان لا يتوقع ان يكون الإصلاح في الاسلام سيؤدي الى انهاء الإرهاب. فحتى اكثر المتمسكين بحرفية النص الإسلامي ممن أعلنوا قيام الدولة الإسلامية (داعش وملحقاتها) يتجاهلون نفس ذلك النص الديني الذي لا يتلائم مع اعمالهم الوحشية. لنأخذ مثلاً الأناجيل او الكتب المقدسة التي لا تدافع عن العنف بالمستوى والطريقة التي وردت في القرآن او التوراة اليهودية، فالمسيح علّم أتباعه كيف يديرون الخدّ الآخر ولكن هذا لم يمنع الصليبيون من قتل الآلاف حين اجتاحوا الشرق الأوسط منذ اواخر القرن الحادي عشر وكذلك الأمر حين قام الرئيس الأمريكي جورج بوش ، وهو مسيحي متدين، بغزو العراق، وقد يعترض بعض القراء على هذين المثلين بوجودعوامل اخرى اضافية لعبت دوراً في كلتا الحالتين، ولكن هذا هو بيت القصيد في ادراج المثلين السابقين، اي ان النصوص الدينية المسيحية بحد ذاتها لا تستطيع تقريروتحديد كيف سيكون سلوك أتباعها المسيحيين، وهذا ينطبق ايضاً على النصوص الدينية في الإسلام.
ان الخطأ الكبير الذي وقعت فيه (ايان حرسي) في مقالها الذي يعتبر ان النص الديني هو المسؤول عن الإرهاب هو تأويلها الخاطئ لتسلسل الأسباب وكيفية ربطها العلّة بالمعلول بالاضافة الى أخطاء أخرى.
فحتى اذا افترضنا ان الاصلاح الليبرالي في الاسلام سيساعد على تخفيض النشاط الارهابي فان الصورة التي تريد (ايان حرسي) ان تعرضها عن هذه الاصلاح في الاسلام هو انها مجرد عبارة عن بعض المنشقين الذين أخذوا المبادرة للتوجه في العملية الاصلاحية وههذه الصورة غير صحيحة على الاطلاق، فالحقيقة هي ان عملية الاصلاح الليبرالي في الاسلام ما زالت مستمرة منذ حوالي قرنين من الزمان والمشكلة تكمن في انها في مواجه منافسة حادة وقاسية.
فكما حصل مع حركة الاصلاح البروتستانتية، توجد اليوم حركة اصلاحية محافظة في الاسلام تتنافس مع الاصلاحيين الليبراليين. وفي مقدمة الحركة المحافظة في الاسلام هناك السلفيون وهم يمثلون التيار الأكثر تشدداً او الاسلام التطهيري والذين يريدون ان ينتزعوا كل الاضافات الخارجية التي علقت بالاسلام على مرّ القرون كالفلسفة اليونانية من أجل العودة بالاسلام الى نسخته النقية من الايمان، والسبب الرئيسي في ان هؤلاء تمكنوا من الفوز حتى الآن هو قيام بعض الحكومات، لاسيما دول الخليج الثرية بمساندة ورعاية التيار المحافظ والمتشدد، ولكون قيام هذه الدول الثرية بوضع ثقلها في كفة الميزان التي تضم المتشددين الاسلاميين فان (ايان حرسي) تريد من الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية ان ترمي بثقلها في الكفّة الليبرالية.
ان مثل هذه المقاربة تنطوي على عدد من الاشكالات، فالقوانين السائدة في الولايات المتحدة لا تسمح بتأييد مجموعة معتقدات دينية على حساب مجموعة اخرى، لقد حاول الرسميون والمسؤولون الحكوميون في هذه الحالة ان يدعموا ويساندوا قضايا حقوق الانسان دون الدخول في القضايا الجانبية المتعلقة بالأديان، ولكن بعد أحداث الحادي عشر من ايلول أخذت الحكومة الأمريكية على عاتقها للقيام ببعض الخطوات التي تبتعد بعض الشيء عن مواقفها التقليدية الثابتة فقامت بتمويل بعض المؤسسات الاسلامية في الخارج التي تدافع عن وجود اتجاهات ووجهت نظر مختلفة في الاسلام ، غير ان المتتبع للحركة الليبرالية الاسلامية في الفترة الأخيرة يعرف ان أعلى الأصوات التي تصخب وتضج حول المال والانتباه ليست شديدة التسامح كما تدّعي، فهي لا ترغب في رؤية المجتمعات الاسلامية يتجاذب فيها المحافظون والليبراليون ويتنافسون على الافكار والآراء ، بل يريدون ان يتم الاغلاق على المحافظين او تحريمهم من نشر أفكارهم او الدعاية لها، او كما تقول (ايان حيرسي) في تأييدها للرئيس المصري (السيسي) بأنهم على استعداد ليغضوا النظر عن تجاوزات الحاكم الدكتاتوري الدموية طالما ادّعى هذا الحاكم انه يشجع على الاصلاح في الاسلام ويقمع النشاطات المحافظة الاسلامية واحزابها السياسية. ان هذا الموقف ليس ليبرالياً على لاطلاق بل هو التعصب وقد ارتدى رداء الليبرالية. الليبرالي الحقيقي يرفض ويشجب باستمرار الاستبداد مهما كان لونه.
تلجأ (ايان حرسي) في مقالها الى مقارنة تاريخية من أجل شرح وجهة نظرها، فتضرب مثلاً بذلك بالجهود التي قامت الولاياة المتحدة بها كتمويل واستقدام عدد كبير من المثقفين من اجل تشويه الشيوعية أثناء الحرب الباردة، وهكذاعلى الولايات المتحدة وبحسب (ايان حرسي) ان تقوم بفعل نفس الشيء لتمول اعداد من المثقفين الذين ستقع عليهم مهمة تحديد وعرض نقاط الخلل في الاسلام حالياً. وقد تروق مثل هذه المقارنة داخل بعض الأوساط الغربية وخصوصاً داخل الولايات المتحدة لكونها تثير لدى بعض الأطراف جاذبية استعادة ذكريات الحرب الباردة، فالولايات المتحدة كسبت الحرب الباردة جزئياً بسسب قدرتها على مواجهة الدعاية السوفيتية ومن المنطقي ان يقود ذلك الى اعتماد مثل تلك التجربة في الصراع الجديد لمواجهة نشاطات الجهاديين.
غير ان مثل هذه المقارنة مع الحقبة السوفيتية تنهار حين يتفحصها المرء عن قرب، فالولايات المتحدة لم تكن تهدف الى اصلاح الشيوعية بل كانت تريد تدميرها، وقامت الحكومة الأمريكية من أجل ذلك بتمويل المثقفين المحسوبين على اليسار الغير شيوعي لكي يعكفوا على تشويه سمعة البرناج الشيوعي، واذا جرى الإقتداء اليوم بالمثل او النموذج الذي الذي تريد (ايان حرسي) ان تعرضه للإقتداء به، ان مثل هذا الحلّ لن يسعد الذين يتبعون الدين الاسلامي في هذا العالم ولن يبهجهم ان يشاهدوا برنامجاً امريكياً يقوم على تمويل الليبراليين لكي ينهمكوا في تشويه سمعة الدين، ان اي مسعى من هذا النوع سينشر المخاوف من ان الولايات المتحدة بمجتمعها المسيحي مصممة على تدمير الدين المنافس.
ثم ان المقارنة مع الحرب الباردة ستفشل لسبب آخر ايضاً ، فالدعاية وحدها لم تلعب الدور الرئيسي في فضح الشيوعية، فكما ذكر احد ضباط الاستخبارات الأمريكية في كتاب له :” ان اساليب ونشاطات الاتحاد السوفييتي وحلفائه كان لها تأثير أكبر على تكوين الأفكار والقناعات في المجتمعات الغربية من كل الحملات الدعائية التي قام بها الغرب” فلو أراد المسؤولون الغربيون ان يقاربوا نموذج الحرب الباردة فما عليهم سوى نشر وتعميم النشاطات الخرقاء التي يمارسها الجهاديون في هذه الأيام. وفي هذه الحالة قد لا يوجد الكثير ليقوموا باضافته مادام الجهاديون يقدمون المزيد في كل يوم من نشاطات تشوه سمعتهم لدى المزيد من المسلمين، لقد انحسر تأييد تنظيم القاعدة منذ مباشرتها بقتل اخوتهم في الدين داخل الأردن وذلك بعد ان اصدر زعيم فرعها في بغداد اوامر بتفجير الفنادق في مدينة عمان وانهار التأييد لهذه الجماعة من 56 ٪ في عام 2003 الى حوالي 11 ٪ في عام 2011 ، والدولة الاسلامية تتمتع بشعبية أقل .
يتمكن الجهاديون من تخدير بعض المسلمين وجذبهم لخدمة قضيتهم، ولكن ما يرعب اغلب المسلمين ويزيدهم خوفاً من هؤلاء الجهاديين هو قتلهم الوحشي للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء. ان أرقام الاستطلاعات السابقة التي تكشف عن مدى تدني التأييد للارهاب كافٍ لينسف كل الأسس التي بنت عليها (ايان حرسي) افكارها والتي تساوي فيها بين مساندة المسلمين للمحافظين ومساندة المسلمين للجهاديين حين تؤكد :” ان هناك تزايداً في نسبة عدد المسلمين الذين يؤيدون بعض أهداف الجهاديين مثل فرض الشريعة ومعاقبة الكفار وكل من يهين الاسلام بالقتل.” ان مثل هذه الشعوذة من قبل (ايان حرسي) تحجب وتشوش على حقيقة عدم شعبية الجهاديين في العالم الاسلامي بل ان محاولات (ايان حرسي) تموّه الفارق بين التمسك بالأفكار الليبرالية وبين استخدام وسائل العنف لتحقيق الهدف. ان ما يطالب به الأمريكيون هو ايقاف الجماعات التي تريد ان تفرض افكارها المحافظة على الآخرين عن طريق العنف، لقد تأسست الولايات المتحدة بتبني فكرة ان امثال هذه الجماعات تتمتع بحق اعلان مبادئها بطريقة سلمية. اما حين يرغب المواطنون بمتابعة مشروع ديني مهما كانت درجة سذاجته، كأن يقوم أحدهم باتخاذ خطوات لاصلاح معتقدات شخص آخر فان حكومة الولايات المتحدة تبقى غير معنية بهذا الأمر مادام لم يعتدي اي منهم على الآخر ، والإسلام لا يشكل اي استثناء