استعادة البديل بعد انهيار التجربة السوفييتية
رالف ميليباند
ان عنوان “استعادة البديل” يثير تساؤلين: الأول، ما هو نوع البديل الذي ينبغي استعادته؟ ثانيا، ممن يجب استعادته؟ والبديل هنا طبعاً هو “الاشتراكية”، أي النظام الاجتماعي الذي يختلف عما هو موجود حالياً.
اما بخصوص التساؤل الثاني، من اين يمكن استعادة البديل؟ الإجابة البديهية هي انه يجب استعادته من جعبة الأيديولوجيات المعادية للاشتراكية والتي كانت دائما تندد وتستنكر وجود المشروع الاشتراكي واصفة إياه بكونه طوباوي، مضلل، غبي، مشؤوم وخطير. ان إطلاق تلك التنديدات من قبل الجبهة الأيديولوجية المعادية للاشتراكية والمرفقة بدعوات التأبين لفضائل الرأسمالية كانت دوما تشكل الرأسمال التجاري الذي يجب تسويقه من قبل التيار المحافظ والتيار الليبرالي لفترة طويلة من الزمن. ولاستعادة البديل لابد من مواجهة مثل تلك الحملات الدعائية المغرضة وهذا يستدعي ايضاً نقداً مستمرا للقضايا، القضايا كما هي موجودة بالفعل، وسيثبت مثل هذا النشاط، وبشكل عقلاني، ان نظاما اجتماعيا مختلفا لن يكون مرغوبا به فحسب بل سيكون تغييرا محتملا أيضا. وينبغي لمثل هذا التأكيد ان لا يوجه فقط نحو الجهات اليمينية بل يجب ان يشمل اليسار، الذي اجتاحت ثقافته المتآكلة والمتشائمة حول احتمال نشوء نظام راديكالي اجتماعي مختلف، او ثقافة تشكيكيه أكثر تداعيا وتآكلا تدّعي ان اقصى ما تستطيع إنجازه، ان تمكنت من انجاز أي شيء، هو بعض التحسينات الاضافية على ما وفرته حتى الآن الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية ذات التوجه الاجتماعي. ان المشروع الاشتراكي الذي احتضن الفكر والأمل ونشأ عليه جيل بعد جيل، رغم الهزائم الكارثية، أصبح اليوم مهملا في صفوف (اليسار). هذا لا يعني ان الناس المعنيين قد تخلوا عن النضال من اجل القيام بإصلاحات معينة، بل يعني ان النضال من اجل تلك المطالب لم يكن جزءا من خطة واسعة للتجديد الاجتماعي أصبحت تعتبر اليوم وهماً ساذجا. لقد تقبل هؤلاء، ضمناً او صراحة، ما عبّر عنه (فوكوياما) بوضوح اكثر في مقالته “نهاية التاريخ وآخر انسان” والتي تمثل الديمقراطية الرأسمالية، أي وبحسب (فوكوياما) “المحطة الأخيرة في التطور الأيديولوجي للنوع البشري” و “آخر شكل من اشكال الأنظمة الحكومية عند البشر” وبكلمة أخرى فما هو موجود يعتبر اقصى ما يمكن ان يطمح اليه البشر أي رأسمالية بملامح إنسانية.
ان ضعف المعنويات والتشويش الذي أصاب اليسار عموما لم يكن مفاجئاً، واليكم عينة من أسباب ذلك ويأتي في المقدمة انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. من المؤكد ان الاشتراكيين لن يتأسفوا على زوال نظام (بريجينيف) ولكن مجيء (ميخائيل غورباجيف) الى السلطة وإعلان (البريسترويكا) عزز الاعتقاد ان الاتحاد السوفييتي مقبل على تطبيق برنامج يتعلق بالإصلاح الذي سيؤدي بعد طول انتظار لكي يعبر عن ما يمكن ان يمثل الديمقراطية الاشتراكية، ولكن تبين ان مثل هذا التوقع كان وهماً. ان تساقط دول أوروبا الشرقية والتفكك الكارثي ليوغسلافيا وما تلاها من تطهير عرقي وحشي بعد حوالي نصف قرن من نظام الحكم الشيوعي أحدث صدمات تاريخية وزعزع كل شيء، ثم ان هناك الفشل الذي شهدناه من قبل الديمقراطيات الاجتماعية وعجزها عن توفير حلول جدّية بديلة تضع برامج وخطط نظرية للحل او بالممارسة الفعلية بعد استلام السلطة. لقد تقلصت كثيرا الآفاق التي كانت متاحة لقادة الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية بمن فيهم قادة الأحزاب الشيوعية السابقة حيث يقتصر هؤلاء الآن على إدارة المشاريع الرأسمالية بكفاءة عالية وبإنسانية أكثر من خصومهم المحافظين، إذا سمحت لهم الظروف بذلك. وتعتبر الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ميدانا رحبا للصراع بين القادة “المعتدلين” وبين من يتحداهم من الراديكاليين، مع ان قادة من المعتدلين هم من يمسك بزمام الأمور.
بالإضافة الى ما سبق هناك تغييرات تحصل داخل المنظومة الرأسمالية نفسها، وخاصة التغييرات المتعلقة بتركيب الطبقة العاملة، واتساع عولمة رأس المال. ان تقلص حجم الطبقة العاملة (التقليدية) وتفكك تجمعاتها ساهم في تقليل تأييد قاعدتها الاجتماعية والتي كان يستند عليها اليسار والحركة النقابية، حتى قيل مرارا وتكرارا ان الطبقة العاملة ليست مهتمة بسياسة اليسار او باي سياسة أخرى.
كما ان تدويل السياسة وعولمتها ساعد على ابراز نقاط ضعف الاقتصاد الوطني وانه عرضة لتقلبات قيمة النقود وما قد يفرضه مثل هذا الوضع على اليسار، في حال استلامه السلطة، من ضرورة اجراء تغيرات جذرية في البرامج التشريعية. ان التطورات التي حصلت خلال العقود الأخيرة لم تكن ملائمة لطموحات الاشتراكيين لكونها تبرر انتصار اليمين وهزيمة الاشتراكية واليأس الذي لحق باليسار. ولكن الحقيقة ان الرأسمالية هي الأكثر تأثرا بتناقضاتها الأساسية، فرغم انتاجيتها المرتفعة وتوسع منظومتها، وستظل الرأسمالية في وضع العاجز لأن المبدأ الذي يقودها هو مبدأ الربح الخاص، وهذا العجز لا ينحصر بجماعة معينة او بأقلية ما معزولة داخل مدينة كبيرة، بل ان عجزها يمس اغلبية الناس رغم توفر مستلزماتهم المعيشية، حيث يعيش هؤلاء في ظل البطالة والفقر وعدم الأمان وتدهور الخدمات الاجتماعية وبيئة محيطة عدائية.
تبقى الرأسمالية نظاما مبنيا على السيطرة والاستغلال حيث اقلية من الناس تؤسس نفسها كنخبة قوية او طبقة حاكمة نتيجة لامتلاكها وسيطرتها على وسائل الإنتاج الرئيسية وعلى وسائل الإدارة وأدوات الاكراه، بالإضافة الى وسائل الاتصال والاقناع. ومع كل واجهاتها الديمقراطية ستظل الرأسمالية في جوهرها نظاما (اوليغارشيا) تحتويه صيغ ضعيفة من الديمقراطية، هذه الصيغ التي قد تسمح بوجود ضغوطا اجتماعية من الأسفل تخفف شيئا من عنف سلطة رأس المال. ولهذه الأسباب المتأصلة في طبيعة النظام ستظل الرأسمالية ارضا وساحة دائمة للمعارك كفيلة بجعلها موضع سخرية من افكارها عن الوحدة والاطمئنان الاجتماعيين، عن الانسجام الاجتماعي. النظام الرأسمالي هو مصدر لسلسلة من مطالب اجتماعية لا تنتهي تدور حول ساعات العمل والأجور وشروط العمل، وخدمات اجتماعية أفضل، مطالب تتعلق أيضا بحماية البيئة، ومواجهة التمييز، والتطبيق الشامل لحقوق المواطنة. ويتم مواجهة تلك المطالب بواسطة مصالح مترسخة ومتعددة تتحكم فيها قوة وسطوة الشركات المساهمة، والدولة عاجزة او غير راغبة في تحديها، ان الصراع الناجم عن هذا الوضع قد يمر بمراحل قد تقل او تشتد حدتها ولكن حتما لا يمكن حلّها في إطار ذلك النظام.
ولكن اين موقع الاشتراكية وحركة اليسار ضمن هذه الصورة؟ تتطلب الإجابة قبل كل شيء ان نحدد ما هو ليس اشتراكي … او ما هي اللااشتراكية؟ أولا هي ليست الشيوعية من النمط السوفييتي. لقد كان هذا موقف كل الفرقاء والجماعات المنتمية لليسار بدءا من الديمقراطيين الاشتراكيين وصولا الى الفوضيين ثم انضم إليهم بعد عام 1920 (تروتسكي) واتباعه. ان الاستنتاج الرئيسي هو ان الاتحاد السوفييتي كان بعيداً كل البعد عن الاشتراكية لدرجة انه من الحماقة ان يدعي البعض ان سقوطه هو بمثابة “موت الاشتراكية” من المؤكد والمهم معرفة ان فشل الشيوعية من الطراز السوفييتي لا علاقة لها بالحكم على مستقبل الاشتراكية، وستزداد هذه القناعة لدى المجتمع.
من الناحية الواقعية لا بد من النظر الى الاشتراكية بكونها امتداد وتجاوز للنظام الاجتماعي القائم في ظل الرأسمالية، وهي تتطلب استكمال بناء ما تم إنجازه خلال عقود طويلة على الصعيد السياسي والتقدم الاجتماعي، والسعي لدفع هذه العملية نحو الأمام حتى انجاز الأهداف الأولية للاشتراكية. ان تلك الأهداف التي تحدد معنى الاشتراكية تشمل 3 مجموعات مترابطة من السياسات:
أولا: إشاعة الديمقراطية في الحياة الى الحدود القصوى التي يمكن ان توفرها المجتمعات الطبقية.
ثانيا: استكمال شروط المساواة التي بدونها تصبح المواطنة وضعا فارغا لا معنى له.
ثالثا: وهو الجزء الذي يثير جدلا طاغيا في معسكر اليسار والمتعلق بالإبقاء على الاقتصاد المختلط في ظل الاشتراكية حيث يكون القطاع العام أكثر اتساعا ومهيمنا على الحياة الاقتصادية.
ان إشاعة الديمقراطية في ظل الاشتراكية ورعايتها يعني الانتشار الواسع والراديكالي لحقوق المواطنة داخل المجتمع. انها تعني توزيع السلطة بحيث يتم منع اي جماعة بمفردها من الاستحواذ على أكثر مما تستحقه منها، كما ان التوزيع الديمقراطي للنفوذ يجب ان يخضع للمراقبة الفعالة. ان الاشتراكية هي نضال مستمر ومتواصل ضد انتاج وإعادة انتاج الأوليغارشية على صعيد الدولة والمجتمع، والمساواة هنا لا تخص من هم أصحاب مستويات عالية النوعية لأن المساواة ستصبح عندئذ فكرة لا معنى لها، بل المقصود بالمساواة تلك التي تعني التخفيض الجذري لعدم المساواة في كل جوانب الحياة، في مجال الدخل المادي، وفرص الحياة وغيرها من المجالات التي تشكل عناصر لا يمكن فصلها عن حياة المجتمعات الرأسمالية.
ان ضرورة الاشتراكية تنشأ من الحاجة الواقعية التي يمليها الوضع التالي: ان الاحتفاظ بمعظم وسائل وأدوات النشاط الاقتصادي في اطار الملكية الخاصة وتحت سيطرتها يعني القبول بهيمنة الرأسمالية ونظامها الاجتماعي، هيمنة الأوليغارشية وطبيعتها الاستغلالية. لقد بينت التجارب في الدول الشيوعية وفي الدول الرأسمالية ان نقل وسائل الإنتاج من الملكية الخاصة الى ملكية عامة ليس كافيا ليضمن ان تغييرا قد حصل في عملية الإنتاج، بينما الاشتراكية لا تعني فقط “الملكية العامة”، بل امتداد الديمقراطية الى الحقل الاقتصادي وما سينجم عن ذلك من تحولات أساسية في ذلك المجال.
الاشتراكية ستبقى هدفا يمتد نحو المستقبل، وانطلاقا من هذا التصور هي عملية تحوّل تمارسها وتعززها الأجيال القادمة، وهناك العديد من الأمور التي تستطيع الحكومة الاشتراكية، وبمساندة شعبية قوية، القيام بتنفيذها بشكل فوري، ولكن التجربة الفعلية أظهرت وبوضوح ان التسرع والعفوية والتعجيل في عملية التطويع الذي يهدف الى إزالة الفوارق، في سبيل دمج المجتمع، مع تجاهل كامل للقوى التاريخية السابقة التي شكلته على النحو الذي هو فيه الآن هي في محصلتها دعوة كارثية، اما الخطر المقابل للطوعية والنزعة الارادية فسيؤدي هذا السلوك الداعي الى التنازل للأوليغارشية وممثليها الى شلّ إرادة التغيير عند الجماهير.
ان النقطة الرئيسية فيما ذكرناه هو ان اهداف الاشتراكية التي نتحدث عنها ليست “طوباوية” ، بل راسخة على ارض الواقع التاريخي الملموس في النظام الاجتماعي القائم، كما ان اهداف الاشتراكية تنسجم ليس مع طموحات الاشتراكيين فحسب لأن الاستياء والسخط لا يقتصر على فئة بعينها بل تشمل اغلبية الناس، وعلى العكس من بعض الناطقين باسم العلوم الاجتماعية السطحية حين يتحدثون عن زوال واختفاء الطبقة العاملة، عن اختفاء الشغيلة في القطاع الصناعي او في قطاع الخدمات، او مجال التوزيع حيث يشكل هؤلاء أغلبية السكان في الدول الصناعية المتقدمة، بالإضافة الى الكسبة الميامين، كما يعتبر هؤلاء القاعدة الرئيسية التي ينبغي على الاشتراكيين التواصل معها، ان لم تكن القاعدة الاجتماعية الوحيدة. المتشائمون سيكررون ان دعم ومساندة الفئات المذكورة لليسار والاشتراكيين يمثل بحد ذاته حلما طوباويا لأن الطبقة العاملة منقسمة على نفسها على أساس الجنس، والعرق، والقومية، والدين، ومستوى المهارات، والمركز الذي يحتله العامل ضمن عملية الإنتاج، وغيرها من التقسيمات التي تلعب دورا كبيرا في عرقلة تكوين “وعي طبقي” الذي لا بد من وجوده لدفع قضية لاشتراكية الى الأمام. ان في صفوف الطبقة العاملة على أساس الجنس والعرق والدين وغيرها، رغم كونها حقيقية، فهي لا تستطيع الغاء او نفي واقع ان العمال من كسبة الأجور يتصفون بالخصائص التالية: ان دخلهم الرئيسي مصدره بيع قوة عملهم ويجري تصنيفهم في أدنى مرتبة ضمن قائمة أصحاب المداخيل وبالتالي لا يملكون أي نفوذ او قوة ضمن عملية الإنتاج او ضمن المجتمع بشكل عام، رغم قوتهم الجماعية كطبقة عاملة وتأثيرها الحاسم تاريخيا، غير ان مستوى حياتهم المعيشية متدن جدا ويتوقف الى حد كبير على الخدمات الاجتماعية العامة التي تمنحها الدولة وهي دائما غير كافية ولا تلبي الاحتياجات الضرورية، ان هذه الطبقة تتحمل بالدرجة الأولى كل تبعات واعباء الإهمال الذي جاء به نظام لا يعمل من اجلهم وليس لهم اي دور في اتخاذ القرارات التي تخصهم والمتعلقة بحياتهم.
ان المتشائمين يتجاهلون انه رغم كل التقسيمات التي ذكروا انها موجودة بين الشغيلة والعمال الكسبة (كالجنس، والعرق، والدين ..الخ) لم تمنع اغلبيتهم من الوقوف، مرة تلو الأخرى، الى جانب البرامج السياسية التي تطالب بإجراء إصلاحات جذرية والتي تطرحها أحزاب اليسار. ويعتبر هذا الاصطفاف السياسي من قبل العمال الى جانب قوى اليسار ذو دلالات هامة اذا اخذنا بعين الاعتبار الهجوم اليومي الذي يشنه أعداء اليسار على الوعي السياسي واصرارهم في اعتماد الكيانات السوسيولوجية المذكورة (الجنس، العرق، الدين، الخ) كأساس أيديولوجي لمحاربة قوى اليسار، ولكنهم يجهلون ان الكيانات السوسيولوجية تتحول الى طبقية ومن ثم سياسية في آخر المطاف، ان الأغلبية التي تعيش داخل الديموقراطيات الرأسمالية ستقف الى جانب قوى اليسار التي تطرح برامج راديكالية حول الإصلاح كبديل عن البنية القائمة على القوة والامتيازات.
ولكن كيف يمكن تحويل تلك الأغلبية من قوة كامنة محتملة الى قوة سياسية فعلية، هذا سيتوقف على أدوات التغيير السياسية، على الحركة اليسارية واحزابها التي تعيش اليوم في حالة من التشويش والفوضى. وكذلك الأمر بالنسبة للحركات الاجتماعية التي كانت منذ مدة قريبة تعتبر مصدرا قويا للضغط على النظام القائم.
ان استعادة البديل يتطلب، من بين أمور كثيرة، قدرة الأحزاب الاشتراكية (اليسار) على تفعيل حضورها، وبالتالي وجودها، على المسرح السياسي، وإعادة بناء الحزب الذي تخلى عن شهوة عبادة التنظيم في هذه الحالة سيكون الجواب الصحيح. ولا بد من الاشارة الى ضرورة رفع الإمكانيات الثقافية والفكرية من اجل الرد على الأفكار الدعائية المدافعة عن الرأسمالية والنظام الاجتماعي الذي تهيمن عليه. في هذه المرحلة تلعب الماركسية (ماركسية ماركس) دورا مهماً ولا بد من اللجوء الى الإمكانيات الفكرية التي تؤهل كل من يتسلح بها بالقدرة على التمييز بين الماركسية الكلاسيكية من تلك التي لحق بها التشويه. الماركسية الكلاسيكية يمكن مقارنتها بصندوق الأدوات والعدد التي لحق ببعضها العطب مع مرور الزمن فأصبحت غير قابلة للاستعمال، ولكن الصندوق مازال يحتوي على أدوات مازالت تصلح لفك والتعرف على الحقائق المعاصرة، ومن اهم تلك الوسائط والأدوات هو “التحليل الطبقي” الذي يكمن في صلب الماركسية.
وأخيرا، لماذا الاشتراكية؟ لماذا لا يتم الاقتصار على الإصلاح وما يقتضي من نضال يومي عوضا عن التفكير في بديل ليس مؤكداً؟ الجواب هو ان وضع الاشتراكية كهدف وجعلها مرجعا دائما يجعل من الممكن توجيه الأنشطة والنضالات ووضعها بوضوح في مكانها الصحيح داخل الإطار الواسع. ان اعتماد الاشتراكية كنقطة انطلاق ومرجع يجعل من الممكن توجيه نقد شامل وجذري للنظام الاجتماعي لأن مثل هذا النقد تحول الى متاهة بفضل النضال من اجل الإصلاح الذي ينظر الى “المشاكل” كأحداث منعزلة لا علاقة لها بالصورة الأوسع.
ان الاشتراكية هي عملية مستمرة ودائمة، منفتحة على التجديد، لهذا فهي مرنة، ولها اهداف تحدد طبيعتها، والنضال من اجل تحقيق تلك الأهداف يبقى من أكثر المهام النبيلة في الحياة.