اتساع نفوذ “الحزب الاجتماعي القومي السوري” (ح ا ق س) داخل سوريا
بقلم: جيسي ماكدونالد
ما هو مستقبل الجماعات السياسية التي تنشط على المسرح السوري؟ هناك وفرة في عدد الميليشيات الموالية للنظام وان كان مدى خضوع تلك الميليشيات لسيطرة الحكومة المركزية هو امر يستحق المراقبة، كما يوجد قوات اخرى لها تمثيل سياسي وخاضعة للسلطة وغير بعيدة عن مظلة السلطة. احدى هذه الجماعات التي تتوسع بسرعة على مستوى القاعدة تنتمي الى (الحزب الاجتماعي القومي السوري).
هناك فصيل لهذا الحزب (ح ا ق س) انضم للمعارضة مع قائده (علي حيدر) والذي يشغل حاليا منصب وزير (المصالحة الوطنية) ذات الأهمية القصوى وان كان انشقاق هذا الفصيل المسمى بكتلة الانتفاضة لم يسبب اي انزعاج للنظام والدليل هو تعيين حيدر لمنصبه الهام وتصريحه الذي يعارض فيه الابتعاد عن النظام. وهكذا اعيد التوافق بين حيدر ومقر قيادة الحزب في لبنان وكلاهما متفقان على الوقوف مع الأسد صفا واحدا.
لا بد من القاء الضوء على النفوذ المفاجئ للحزب الاجتماعي القومي السوري (ح ا ق س) في سوريا منذ نشوب الصراع، لاسيما ان له علاقة بنظام الأسد وحزب البعث، واحتمال تقوية اواصر العلاقة بين (ح ا ق س) وحزب البعث في المستقبل، وهي شراكة تمليها الحاجة للاحتفاظ والتمسك بالحلفاء في وقت الشدة.
نقاط قوة (ح ا ق س)
من سخرية المفارقات ان احدى القضايا التي سببت ضرراً للحزب القومي السوري في الماضي وهي تنافسه مع حزب البعث قد تتحول الى رصيد ايجابي في المستقبل. لقد كانت لهما علاقة تقارب وثيق تعود الى الأربعينيات من القرن الماضي، ثم وضع الحظر عليه في سوريا منذ عام 1955 وحتى عام 2005، والتنافس بينهما في السابق كان مصدره عناصر التشابه المشتركة بينهما، فكل منهما كان يتبارى للحصول على اعضاء ممن غيروا ولائهم الحزبي، ويبدو الحرب الدائرة في سوريا اجبرت الخصوم السياسيين التاريخيين الى التقارب في وقت تشتد فيه الحاجة لوجود حليف سياسي.
اما آل الأسد فقد كانوا دوماً يميلون الى جانب اتجاه القومية السورية ضمن الرؤية العربية مقارنة بتوجه البعث التقليدي لميشيل عفلق. بالإضافة الى ذلك فان العديد من الجماعات السياسية السورية التي كانت في مستهل بداياتها تميل نحو الحزب القومي السوري ثم ما لبثت حتى اندمجت فيما بعد بحزب البعث وأبرز مثال على هذا التحول هو أكرم الحوراني، احد القادة السياسيين السوريين ومن اوائل اعضاء الحزب القومي السوري. لقد ساعد اكرم الحوراني في تأسيس حزب الشباب القومي واصبح قائداً له في عام 1939، وبعد فشل مباحثات لتوثيق التعاون مع الحزب القومي السوري قام الحوراني بتحويل حزب الشباب القومي الى الحزب الاشتراكي العربي عام 1950 وذلك قبل اندماجه مع حزب البعث عام 1953.
المزيد من التشابك
غسان جديد، أحد قادة الحزب القومي السوري (ح ا ق س) خلال الأربعينيات والخمسينيات استلم منصب رئيس الدفاع داخل الحزب عام 1954 اما شقيقه صلاح جديد فأقسم الولاء للحزب القومي السوري قبل ان يتحول الولاء الى حزب البعث في الخمسينيات، وكان صلاح جديد أحد الأعضاء الخمسة داخل اللجنة العسكرية السرية التي كانت تعدّ البعث لاستلام السلطة، وكان حافظ الأسد أحد اعضاء اللجنة ايضاً.
كانت انيسة مخلوف، زوجة حافظ الأسد ووالدة بشار، عضوة نشيطة في الحزب القومي السوري حتى قبل زواجها من حافظ، اما شقيقها محمد مخلوف فقد كان هو الآخر عضوا في الحزب القومي السوري وقد صرّح ابنه، رامي مخلوف، مؤخراً انه انضم الى الحزب القومي السوري عام 2013 ويعتبر احد اثرى الأغنياء في سوريا ويمتد نفوذه الى عدد من القطاعات الاقتصادية ولهذا نحن بغنى عن التأكيد انه يشكل اضافة رئيسية للدور المستقبلي الذي يخطط له الحزب القومي السوري.
الوحدة مع حزب البعث؟
ان التحول والانتقال في الولاءات المذكورة لا يثير الذهول ما دامت مصالح وتوجهات الحزبين تتداخل وتتشابك في قضايا عديدة، فكلاهما يدّعي البطولة في مجال العلمانية، ويتبنى العداء لليهود، وينشط لجذب الأقليات، كما انه يدافع بحماس شديد عن وحدة وسلامة الأمة السورية. ان هذه القضايا المشتركة تلزم الطرفين بالتقارب، بل والذوبان معاً في رؤيا متطابقة حول سوريا. اي اندماج سيعمل لصالح حزب البعث وفي نفس الوقت سيتيح للحزب القومي السوري (ح ا ق س) الوقت الثمين الكافي ليجذب ويجمع مناصريه من اجل اعادة تأهيلهم في المجتمع بعد 50 عاما من الجلوس على هامش الأحداث. الشخصيات القيادية والمسؤولة في معسكر الأسد\مخلوف لديهم ممرا خاصا، لبذل المزيد من الجهود المشتركة والعمل مع الحلفاء من (ح ا ق س) ، من اجل الاحتفاظ بمواقعهم ومناصبهم دون تعطيل او تشويش على ما بحوزتهم او على الشؤون والقضايا اليومية التي تتطلبها ادارة البلاد، ان انتقال الحزبين الى هذا الوضع الجديد سيحصل رغم عدم وجود اي اعلان رسمي بحدوثه او غياب اجراءات قانونية لإعلانه بشكل رسمي.
الحزب القومي السوري الذي ينشط في سوريا منذ الثلاثينيات ويشارك حزب البعث في قضايا رئيسية يضعه في موقع فريد، فهو يملك منشورات وادبيات وفيرة لمطبوعاته التعليمية وتوفر له الأسس الضرورية لكي يحصد الأجيال القادمة.
(ح ا ق س) المتمسك بتحصيناته في المشهد السياسي، اتاحت له بنيته التنظيمية الحالية تسريع عملية تواصله مع الجماعات السورية، كما ان النظام يبقى مضطلعا على نشاطات الحزب القومي السوري، بل ويشارك في بعض احتفالات الحزب القومي السوري التي تشمل مراسيم تكريم افراد الجيش السوري والندوات الثقافية وافتتاح مكاتب جديدة ونشر ايديولوجية الحزب القومي السوري. وتضفي المشاركة المباشرة من قبل شخصيات رسمية محسوبة على حزب البعث في النشاطات المذكورة للحزب القومي السوري درجة معينة من التفاهم بين الحزبين يعززه القتال المتواصل منذ سنوات والذي تشترك فيه قوات النظام السوري مع ميليشيات (نسور الزوبعة) التابعة للحزب القومي السوري.
الحزب السوري القومي يفرش جناحيه
منذ عام 2014 وحتى اليوم ازداد حضور الحزب في سوريا، ولاسيما في حمص وحماه، بالإضافة الى اللاذقية ودمشق مع ضواحيها. ان توسعه داخل تلك المحافظات يتركز حول البلدات والمدن التي تقطنها الأقليات، ولكن (ح ا ق س) يتوسع ليصبح اليوم ثاني اكبر الأحزاب بعد حزب البعث، وتمكن من انجاز ذلك بالتنسيق والتعاون مع النظام.
فيما يلي مشاهد من نشاطات الحزب ابتداء من محافظة حمص، حيث يركز تموضعه داخل احياء المدينة القديمة ويسيطر اعضاؤه على مناطق بكاملها بما فيها اقامة نقاط تفتيش ومراقبة. وتجري احتفالات الحزب تحت حراسة اعضائه المسلحين، ويعكس ذلك مدى الثقة بالنظام.
فيما يلي مشهد لافتتاح مكتب جديد داخل القسم القديم من مدينة حمص وذلك للمرة الأولى منذ 50 عاما حيث القى كلمة في الحشد قائد الحزب في حمص (نهاد سمعان)
هذه الحرية المعطاء التي انغمر فيها حزب كان محظورا حتى عام 2005 لا يظهر معها الحزب انه يشكل اي تهديد للنظام، بل على العكس، فكما هو واضح ان النظام يقوم بتفويض الحزب بمهام السلطة كشريك موثوق. في الواقع ان كلاهما يقومان معا بنشاطات مشتركة متعلقة بإلقاء الخطب والكلمات والاحتفال بالمناسبات داخل المدينة. فها هو يحتفل مع حزب البعث بذكرى تأسيس الحزب القومي السوري:
كما ان للحزب كثير من الاتباع في (وادي النصارى) غرب مدينة حمص، وفي بلدات (صدد) و (القريتين)، وأعضاء الحزب على صلة وثيقة، في كلتا المدينتين، بقوات الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني هي مجموعة عسكرية سورية تم تنظيمها من قبل الحكومة السورية ومهمتها المساندة في عملياته ضد المعارضة المسلحة. تعمل القوات في دور مشاة، وتقاتل مباشرة ضد المتمردين على الأرض وتنفذ عمليات مكافحة التمرد بالتنسيق مع الجيش الذي يوفر لهم الدعم اللوجستي والمدفعي. من المتوقع أن القوات لديها العديد من الأعضاء الذين يتم اختيارهم من الشعب السوري او المتطوعين. وذكر موقع غلوبال سيكيورتي أن الهدف من تشكليها أيضا كانت إعفاء القوات الحكومية النظامية من مسؤوليتها عن الأعمال العدوانية التي ارتكبتها. وفقا لصحيفة واشنطن بوست ووول ستريت جورنال، كان إنشاء هذه المجموعة ناجحاً، كما أنها لعبت دورا حاسماً في تحسين الوضع العسكري للقوات الحكومية في سوريا من صيف 2012، عندما توقع العديد من المحللين أن سقوط نظام الأسد بات قريباً. ووصل عدد هذه القوات الى 100,000 في شهر آب من عام 2013. كما نشرت رويترز ملخصا عن تقرير للجنة حقوق إنسان تابعة للأمم المتحدة جاء فيه أن القوات الحكومية السورية ومن ضمنها قوات الدفاع الوطني شاركت أو قامت بقيادة عمليات أدت إلى تسع مجازر راح ضحيتها مدنيون ومن بينها مذبحة مدينة البيضة في بانياس.
وفي محافظة حماة تتحرك قوات الحزب (ح ا ق س) داخل المدن والبلدات، مثل: محرّدة، السقيلبية، والسلمية، التي كانت منشأ الخلافة الفاطمية، وشهدت نصيبها من الهجمات انضم فيها عناصر من سكان المدينة الاسماعيليين الى قوات الحزب القومي السوري، وهذه العناصر المحلية المتحصنة داخل تلك المدن ستتحكم بإداراتها المدنية فيما بعد.
وهذا مشهد لأعضاء الحزب القومي السوري وهم يوزعون الحلويات لقوات النظام:
مشهد آخر للحزب القومي السوري في السلمية، بمناسبة الاحتفال في ذكرى تأسيس الحزب شارك فيه عضو مجلس الشعب (مازن عزوز) المولود في السلمية، مع عضو آخر من حزب البعث في حماة.
وينشط الحزب (ح ا ق س) في مدينة اللاذقية فيستضيف المباريات الرياضية ورحلات خاصة للناشئين وفي مجال التدريب. ومحافظة اللاذقية اغلب سكانها من العلويين وتعتبر معقل لعائلة الأسد، مما يجعل نشاطات الحزب القومي السوري فيها مثيرة للانتباه. هذا بالإضافة الى تواجده في ريف وضواحي دمشق مثل معلولا والزبداني وصيدنايا حيث جرت معارك اشتركت فيها ميليشيات الحزب القومي السوري (نسور الزوبعة) ، وللحزب المذكور مكتبا ومقرا في العاصمة دمشق، وهناك مغزى لعلمه الذي يرفرف وكأنه يؤكد على بداية تذوقه للحرية تحت مظلة نظام بشار الأسد
مشهد لمخيم تدريب للحزب القومي السوري في اللاذقية:
مشهد يصور اعضاء الحزب القومي السوري وهم يوزعون الطعام في العاصمة دمشق كجزء من حملته الخيرية
مشهد آخر من العاصمة دمشق يصور أعضاء الحزب وهم يقدمون الحلويات للمارة بمناسبة عيد الأم:
ان قيام النظام بتشكيل لجان محلية وتفويض الجهات الأمنية هي اجراءات تكفل للنظام ان كل التحركات والقرارات تسير تحت مراقبة السلطة المركزية، فنظام الأسد يدرك ان ترك الأمور بيد الأطراف الأخرى ليس ضمانة للاحتفاظ بالسلطة، فتقديم السلاح وتوفيره للحزب السوري القومي وغيره من القرارات الحساسة تخضع للمستويات العليا من مسؤولي النظام. وهذا يمكن ان يفسر كيف يستطيع الحزب القومي السوري: القيام بتنظيم مسيرات، وافتتاح مراكز اعلامية ومقرات حزبية في عدد من المدن، وان يقيم الندوات، وينظم حلقات التدريب وتلقين ايديولوجية الحزب، بالإضافة الى تنظيم حلقات تمارين اللياقة البدنية، وتوزيع المناشير للمدنيين لتبليغهم رسالة الحزب، ثم تنظيم جلسات التبرع بالدم لقوات النظام السوري، وهكذا فان كل هذه الأمور تدل على مدى ثقة النظام بالحزب القومي السوري (ح ا ق س). ان كون (رامي مخلوف) عضو في الحزب القومي السوري وولاء عائلته التاريخي للحزب بالإضافة الى المصالح المشتركة للحزبين القومي السوري وحزب البعث فالأحداث المذكورة سابقا هي تطورات تشير الى تحالف جديد.
سيذهب القادة من المسؤولين الى الحزب الذي سيحفظ لهم مصالحهم بينما سيسعى الأفراد الطامحون والذين يمتلكون الأدوات والوسائل للحاق بهم بحثا عن الرفاهية. لقد كان حزب البعث لعقود طويلة هو الخيار الوحيد المتوفر لتحقيق كل تلك الطموحات، وسبب الانضمام اليه. ولكن الوضع في سوريا قد لا يسمح لحزب البعث بالاستمرار بنفس الطريقة قبل استفحال الصراع في سوريا، ولهذا فان الانجذاب او الاندماج بعناصر لو مكونات في الحزب القومي السوري قد يكون خيارا حيويا من اجل الاستمرار.
علاقة الحزب القومي السوري مع روسيا وحزب الله
التحالف مع حزب الله في سوريا
يحتل حزب الله دورا حيويا ومهيمنا في الحرب الدائرة في سوريا ولهذا فهو على صلة وثيقة مع الحزب القومي السوري وهو مؤشر أيضاً على الدور الذي قد يلعبه الحزب القومي السوري في المستقبل، وهو يتمسك ويحافظ على سلوك قومي نحو سوريا، ويستعيد السيطرة على عدد من المدن بمشاركته في القتال الى جانب ميليشيات حزب الله وقوات جيش النظام، من أجل المحافظة ومن ثم التوسع في التوسع الاقتصادي، وتأمين خط الامدادات لحزب الله من لبنان وهذه كلها تبقى اولويات بالنسبة للأسد. حاليا يوفر الحزب القومي السوري ارتياحا لدى النظام لاسيما انهما في حالة تعاون وثيق في لبنان ولهما مشاركة فعالة في الحرب الجارية داخل سوريا.
اعلام حزب الله الى جانب اعلام الحزب القومي السوري في أحد مراكز التدريب
بعض الأمثلة عن العمليات القتالية المشتركة في بعض المواقع بين الحزب القومي السوري وميليشيات حزب الله في سوريا. فيما يلي بعض المناطة والمدن الاستراتيجية التي قام فيها الطرفان بأعمال قتالية:
البلدة التاريخية (معلولا) قرب دمشق، حيث قدّم وفد قيادي من الحزب القومي السوري التعازي والتهاني لوفاة 3 مراسلين من (المنار) في 14 آذار 2014 وشارك في الوفد (أسعد حردان) باعتباره رئيس المكتب السياسي للحزب القومي السوري، كما بعث (علي قانصو) تعازيه الى (المنار). ومن المفيد التذكير هنا انه حين نشب القتال في معلولا عام 2013 كان حزب الله يقاتل الى جانب جيش النظام وميليشيات الحزب القومي السوري للسيطرة على تلك البلدة المسيحية القديمة، وفي شهر ايلول من ذلك العام سيطر ولفترة قصيرة سيطر على قسم من البلدة قوات من الثوار الى جانب قوة من النصرة. غير انه حينذاك قامت ميليشيات حزب الله وحلفائه المذكورين باستعادة السيطرة على البلدة حين بدأ سكانها وبعض المكاتب الاعلامية بالتحقيق في مجرى تلك الأحداث. ان حالات التعاون بين الحزب القومي السوري وحزب الله تذهب في مصلحة تقوية حزب الله ونظام بشار وتصب لصالح ادعائه بانه حامي الأقليات. وقام بشار بزيارة الى معلولا التي يتكلم سكانها اللغة الآرامية وأصبح في استطاعة حزب الله اثبات انه حامي المسيحيين ليس في لبنان فحسب بل في سوريا ايضاً.
اصبحت جبال محافظة اللاذقية من الأماكن التي اصيبت فيها ميليشيا الحزب القومي السوري بضربات قاتلة. وكذلك الأمر فان جبل الأكراد وبلدات كاباني وكينسابا هي من المناطق الساخنة حيث تشترك قوات الحزب القومي السوري وميليشيات حزب الله في نفس الجبهة. وحسب وكالة انباء (فارس) أرسلت أعداد كبيرة من قوات الدعم من طرطوس ومن حمص الى مناطق القتال في الشمال الغربي لتحل محل (لواء صقور الصحراء) في جبل الأكراد. وكلفت ميليشيات الحزب القومي السوري بمهمة حماية الأراضي التي يتم السيطرة عليها بالإضافة الى نشاط مقاتليها في عمليات الهجوم في ريف اللاذقية الذي كان يجري منذ أعوام عديدة.
الى جانب القتال في ريف اللاذقية كان الطرفان يتمركزان سوية في منطقة القلمون على طول الحدود السورية اللبنانية حين كانا يحضران لاستعادة بلدة القريتين، وهذا تقرير لوكالة انباء (فارس): تمكن اللواء 81 واللواء 120 من الفرقة الثانية بالتعاون الوثيق مع الحزب الاجتماعي القومي السوري، ودرع القلمون، ولواء صقور الصحراء، من تحرير عدة مواقع من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) قرب المدينة الاستراتيجية (القريتين) في محافظة حمص في الجنوب الشرقي. وحمص هي الجزء الآخر من سوريا الذي يتواجد فيه بكثافة الحزب القومي السوري الاجتماعي. وبلعب الحزب دورا واسعا في مجال الامن والتدقيق عن السيارات المفخخة وتأمين سير الخدمات العامة الحيوية.
في عام 2015 شقّ الجيش السوري طريقا للسيطرة على بلدة استراتيجية في (الزبداني)، ووفقا لعدد من التقارير الاعلامية كانت الوحدات المشاركة في هذه العملية هي من اللواء 63 من الفرقة الآلية الرابعة. ومن خلال التنسيق مع (حزب الله) و (قوات الدفاع الوطني) و(الحزب الاجتماعي القومي السوري) أو (ح ا ق س). كانت ميليشيات (نسور الزوبعة) تتمركز في الأقسام الشرقية من الزبداني لصد القوات التابعة للجيش السوري الحر، وقوات النصرة، وقوات احرار الشام. اذ انه في حين كانت قوات (ح ا ق س) متمركزة في الشرق كانت ميليشيات حزب الله مع جيش النظام السوري يخترقون المناطق الغربية. ولهذه الأطراف حضور في محافظة حماة، وخاصة داخل الأرياف الشمالية من المحافظة، حيث يجري التركيز على مدينة (محردة) الواقعة على الطريق السريع والتي تعتبر واحدة من أكبر المدن المسيحية في سوريا ويتواجد فيها طبعا (ح ا ق س) وله مكتب حزبي ونشاط واسع الى جانب (قوات الدفاع الوطني). وعندما كان يجري شنّ الهجمات من (محردة) على بلدة (حلفايا) كانت قوات (ح ا ق س) في المقدمة مع ميليشيات حزب الله، وقد تمّ التعرض بالنقد لوجود الميليشيات من قبل منظمة (سوريون مسيحيون من أجل السلام).
العلاقة مع الروس
لقد غيّر التدخل العسكري الروسي ديناميكية الحرب، فبالإضافة الى مواصلة الضربات الجوية، يقوم الجنرالات الروس المتمركزون على الأرض بالمساعدة في اتفاقيات التسوية. ان هذا الجانب من الحرب حيث تنخرط لجان محلية في حوار بالإضافة الى محادثات سلام تعقد في (استانا) و (سوتشي) ظهر فيها اعضاء من الحزب القومي السوري الى جانب الروس. وهو ما حصل مع (علي حيدر) القائد في الحزب القومي السوري والمعارض القديم لنظام الأسد والذي أصبح وزير الدولة (لشؤون المصالحة الوطنية) مما يضعه على صلة مباشرة بالروس وعلى الأرجح ان كلا الطرفين كانا على تواصل نظرا للمشاركة الفعالة لمليشيات (نسور الزوبعة) مع وحدات جيش النظام السوري.
مؤخرا، قام وفد من ثلاثة أعضاء في الحزب القومي السوري بإجراء محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف) في موسكو، وتمحورت المحادثات حول مؤتمر سوتشي والمناورات التركية قرب (عفرين)، كما ان (بوغدانوف) يعمل عن قرب مع فريق (مركز التنسيق الروسي) في (حميميم) للنهوض بجهود المصالحات المحلية عبر سوريا. وقد شوهد مؤخرا مع الجنرال الروسي (فيكتور بانكوف) من (مركز التنسيق الروسي). ويذكر ايضا” ان مقاتلين من ميليشيات (نسور الزوبعة) حصلوا على ميداليات التفوق من وزارة الدفاع الروسية. وهناك العديد من الأدلة على ازدياد شدة التحالف الوثيق بين الحزب القومي السوري مع احدى القوى التي لها نفوذ في الشأن السوري.
خلاصة
سوريا تعيش في وضع يجعلها تحت الاشراف المباشر وهيمنة واستبداد طبقة جديدة من رجال الأعمال المرتبطون مع عائلة الأسد او مخلوف. ثم ان اتفاقات اعادة البناء التي تنحاز لفائدة تلك الفئة الفاسدة ستضر بمصالح الشعب السوري. صحيح ان سوريا ما زالت تعمل تحت يافطة حزب البعث، ولكنه من غير المضمون التوجه الذي سيسير عليه حزب البعث بعد جراح الحرب او أثناء فترة اعادة البناء وبعد ابرام صفقات السلام.
مهما يكن، فان للحزب القومي السوري تاريخ قديم مشترك مع الكثير من سماسرة السلطة، وهذه العلاقات تستحق المتابعة والاهتمام عند تحليل قابليته على امتصاص مسؤولي حزب البعث في مهمته اللاحقة. ولا تقتصر علاقات الحزب القومي السوري على آل الأسد وآل مخلوف بل توسعت في الفترة الأخيرة لتشمل حزب البعث، وهذا يعني ان اعضاء من الطرفين يتشاركون في رؤيتهم لسوريا والتي تنحصر الآن في المحافظة على الدولة السورية والوحدة الاجتماعية، والحزب القومي السوري في وضع قد يتيح له امكانية القيام بمفاوضات لإنجاز صفقات المصالحة مع الثوار عبر الوزارة التي يقودها (علي حيدر). كما ان الأسد يعتمد صورة (علي حيدر) والحزب القومي السوري باعتبارهما يعبران عن اشخاص وحركات معارضة ليقدم نفسه كشخصية محايدة اثناء المفاوضات. تضع متانة علاقات الاطراف المذكورة مع حزب الله، وبالتالي مع ايران، وكذلك مع روسيا ودخولها في المعادلة بدعوة ملحة من بشار الأسد، الحزب القومي السوري في موقع مفضل خلال هذه المرحلة الهامة من تاريخ سوريا.